المُعلم في الشمال السوري بين مطرقة الواقع المعيشي وسندان المسؤولية

عبد الله درويش

 

منذ بداية الثورة أُجبِر المعلمون أو كثير منهم على ترك ارتباطهم بالنظام بطرق مختلفة، فمنهم من ترك وأكمل العمل متطوعًا، ومنهم من استمر بارتباطه مع النظام من خلال الحصول على راتبه الشهري، لكنه انزوى في بيته تاركًا الطلاب وتعليمهم.

فنشأت مشكلة نقص في المعلمين، ممَّا دفع بعض الشباب للتطوع، لكن تنقصهم الخبرة والكفاءة، ظنًا منهم أنها فترة قصيرة وتمرّ، لكنها طالت.

ثم بدأت منظمات المجتمع المدني بالظهور، ودعم التعليم برواتب تفوق رواتب النظام بكثير، إنما بعد سنوات بدأ دعم التعليم يتضاءل، فمرةً تتفاوت رواتب المنظمات، ومرةً يقتصر الدعم على مرحلة دون مرحلة، ومرةً لمدرسة دون أخرى، وهكذا بدأت معاناة المعلمين تظهر، ولم يكن هناك استقرار وظيفي، ممَّا دفع العديد من المعلمين لترك التعليم.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

أما من استمر في التعليم فبدأ يعاني الفقر، بينما يطالبه المجتمع بأن يأخذ دوره الريادي في الاستمرار برسالته في تعليم الجيل الذي يعاني الجهل في ظل الحرب، ممَّا ينذر بكارثة مستقبلية تتجلى في جيل جاهل في القرن الواحد والعشرين.

فماذا يفعل المعلمون؟ هل يستمرون في التعليم ويتعالون على حالتهم المعيشية المتردية؟ أم ينقطعون عن التعليم وسط مطالبتهم في تنشئة الجيل الذي سيرسم المستقبل؟

بدأ المعلمون يطالبون في حقوقهم من حكومات الأمر الواقع هنا وهناك، ويصعّدون حينًا، ويضربون حينًا آخر، لكن ذلك لم يحلّ المشكلة، إنما تفاقمت من خلال الإقصاء فيما لو أضرب المعلمون أو انقطعوا عن التعليم، أو إن انخفض الأداء.

وما تزال المشكلة قائمة، بل وتزداد، وكل ذلك يلقي بظلّه على الطلاب الذين باتوا يعانون من توقف التعليم وعدم استقراره، وتدريجيًا بدؤوا يتسربون من المدارس ليتيهوا في واقع مرير من تفكك الأسرة إلى انتشار البطالة والفراغ، ممَّا يساهم في إفسادهم وانحرافهم.

فما الحل؟ وعلى عاتق من تقع المسؤولية؟ على المعلم أم الأسرة أم الحكومات أم على المنظمات؟

الأحزاب والحراك السياسي (2)

في الحقيقة إنه لمن الظلم تحميل المعلم كامل المسؤولية، وخطابه بالمثالية التي لن تقدم له ما يقيت أبناءه، بينما نجد تفاوتًا في الدخل بين فئات المجتمع، ولا بد في التفكير الجادّ والمسؤول في تدارك الكارثة التي تتهدد المجتمع المتمثلة بجهل الجيل، بل في انحرافه في ظل ظروف قاهرة.

ومن باب ضرورة طرح المشكلة مع الحل، وعدم الاكتفاء بالتوصيف، يمكن القول: إن هناك حلولاً تتمثل في أن يأخذ كل طرف دوره في الحلّ، ومنها:

أن تنظر الجهات الرسمية إلى موضوع التعليم على أنه أولوية، فتوفر القدر المتاح للمعلمين وبالطرق الممكنة، وأن تتحمل الأسرة قدرًا من المسؤولية يتمثل بتقديم ما تستطيع لاستمرار التعليم، وأن تحرص المنظمات على القيام بمشاريع لدعم التعليم في المرتبة الأولى، ومن ثم أن يستشعر المعلمون دورهم الريادي في تعليم الطلاب وإدراك الخطر المحدق بالمجتمع فيما لو انهارت العملية التعليمية، ممَّا سيؤدي إلى جيل بعيد عن التعليم، وسيكون عبئًا على المجتمع بدلاً من أن يمتلك رأسمال اجتماعي يبني من خلاله دولة حقيقية قائمة على العلم وبالعلم، وإلا فإن طوفان الجهل سيدمِّر أحلامنا في الحرية والكرامة، والنهوض من جديد، فتدمير الجيل أعظم خطرًا بكثير من أي تدمير، وهنا أستحضر قول تشرشل: “لا خطر طالما التعليم والقضاء بخير”.

إدلبالتعليمالتعليم في إدلبالشمال السوريالمعلمسورياعبد الله درويش