تحديث بيانات السوريين في تركيا.. توصيف المشكلة

علي سندة

 

استغلال السوري للسوري في التهجير مع الأسف حقيقة لا مفر منها، تتكرر بأشكال عديدة تبعًا للزمان والمكان والحدث، لا سيما قصص رفع أسعار إيجارات البيوت في المناطق التي تعدُّ آمنة أثناء القصف، إلى رفع أسعار الوقود والخبز.. إلخ، لكن ثمة أنواع أخرى من الاستغلال منها (تحديث بيانات السوريين في تركيا)، وما يتصل به من معاملات رسمية أخرى مثل (ورقة غير متزوج، وتثبيت نفوس، وتسجيل طفل جديد..)، لكن أهم أمر هو (تحديث البيانات) سواء كانت فردية أو عائلية، كونها متعلقة بمصير عوائل.

وقبل توصيف المشكلة نوضح أن تحديث البيانات للسوريين في تركيا هو أمر مهم جدًا كونه يتضمن أمورًا عدة منها: الحصول على بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة بالسوريين التي تبدأ بالرقم 99 ذات اللون الأصفر بدل القديمة التي تبدأ بالرقم 98 ذات اللون  الأبيض، وإعلام إدارة الهجرة التركية بكل المستجدات لا سيما إذا صار الشخص طالبًا، أو حصول العائلة على إذن نقل من ولاية لأخرى وتوقف الأمر على أخذ موعد لإجراء التحديث والحصول على الهوية الجديدة، وغيرها من الأسباب المهمة، وخلاصة أمر تحديث البيانات هو إعلام السلطات التركية بكل أمر جديد مهما كان نوعه، وأحيانًا تطلب بعض الدوائر التركية أن تكون الهوية (الكيمليك) محدثًا لسنة 2021 حتى تجري المعاملة المطلوبة، لا سيما إلغاء خطوط الهاتف والإنترنت.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا 

كيف يتمكن السوري من تحديث البيانات؟

في البدايات كان الأمر يسيرًا، إذ مجرد ذهاب الشخص إلى مركز إدارة الهجرة والوقوف على الدور يحصل على ما يريد، وهذه الآلية المتبعة لم تسلم من المستغلين، وهنا بداية قصة استغلال موضوع تحديث البيانات من قبل السماسرة، حيث أفضت فيما بعد إلى أزمات كبيرة كان يقف السوريون فيها على أبواب إدارات الهجرة التركية من المساء حتى اليوم التالي فجرًا كي يستطيعوا إجراء معاملاتهم، وفي هذا الصدد لن أتكلم عن الطاقة الاستيعابية التركية ولا عن البيروقراطية المتبعة ولا عن التقصير التركي عامةً، إنما شاهدنا عن موضوع استغلال السوري للسوري في هذا المجال، حيث صار بعض المستغلين يجمعون بعضهم البعض ويسهرون أمام إدارات الهجرة من المساء حتى الفجر ثم يبيعون أماكنهم لأصحاب الحاجة والعوائل بمبالغ تبدأ من مئتي ليرة تركية وتصل إلى مئة دولار بحسب قرب الدور وبُعدُه، أي حولوا حاجة السوريين إلى مصلحة واستغلال، ثم عندما وضعت إدارات الهجرة مكنات لتنظيم الدور صار السماسرة والمستغلون يذهبون باكرًا ويقومون بأخذ جزء كبير من أوراق الدور من المكنة ويقومون ببيعها بأسعار متفاوتة أيضًا بحسب القرب والبُعد.

 

تطور الاستغلال السوري- السوري في تحديث البيانات بتركيا

ونظرًا لتفاقم الأزمة ومبيت العوائل أمام إدارات الهجرة التركية منذ المساء حتى اليوم التالي فجرًا في ظل ظروف جوية سيئة، أطلقت إدارة الهجرة التركية موقعًا عبر الإنترنت يتيح للسوريين الحجز من خلالها، وهنا تطور أسلوب المستغلين والسماسرة من المبيت ليلًا والسهر على لعب الورق وشرب الأراكيل حتى الصباح ثم بيع الأماكن للسوريين ذوي الحاجة، إلى المرابطة على الإنترنت وأخذ 150 ليرة تركية إلى 200 عن كل شخص يريد تحديث البيانات، أما كيف يتم ذلك ولماذا يلجأ السوريون إلى السماسرة فهذا له عدة أسباب، أولًا ثمة جزء كبير من الذين يودون تحديث بياناتهم لا يعرفون التعامل مع الموقع الإلكتروني والحجز بأنفسهم خاصة الذين لا يعرفون القراءة والكتابة، ثم إن الرابط لا يفتح إلا بتواقيت محددة صار السماسرة على علم بها، وأخيرًا وهي النقطة الأهم يوجد نقطة ضعف في الموقع الخاص بالحجز يعرفها السماسرة، وهي الحفاظ على صلاحية الكود لمدة طويلة، وعندما يفتح الموقع وتصبح المواعيد متوفرة يستطيع السماسرة الحجز لمئات الأشخاص الذين أخذوا منهم المال مقابل ذلك لوجودهم المسبق على الموقع وإدخالهم المعلومات بطريقة الحفاظ على الكود وهنا يبقى فقط التثبيت، وبذلك يبقى الذين يحاولون الحجز بأنفسهم يعانون من مشاكل السستم التركي نتيجة الضغط الكبير ومعاناتهم بإدخال المعلومات، وكل ذلك نتيجة وجود السماسرة بأساليبهم القذرة تلك.

اقرأ أيضاً: بعد فقدان الأمل في العودة.. مهجرو ريف إدلب يبيعون أملاكهم بربع أثمانها

إن من نتائج استغلال السماسرة والمحتكرين لموقع تحديث بيانات السوريين وعدم تركه يعمل بحرية، وعدم سد الثغرات التقنية بالموقع من قبل إدارات الهجرية التركية، عزز استغلال حاجة السوري للسوري في تركيا، بل خلق مشاكل كبيرة لدى العوائل إذ يوجد العديد من الشباب والشابات زواجهم متوقف على تحديث البيانات، ويوجد إلى الآن أطفال لم يدخلوا المدرسة لأن هويتهم التركية غير محدثة وبحاجة تحديث بيانات، بل يوجد العديد من السوريين حصلوا على شهادات ووثائق جديدة ويريدون إخطار إدارة الهجرة بها ولا يستطيعون تحديث بياناتهم إلى الآن لأن السستم لا يعمل بحرية ويُستغل من قبل فئة تحجز للمئات بوقت قصير.

ويوجد أمر جدًا مهم وهو أن أي شخص يريد أن يحجز ليحدث بياناته عن طريق السماسرة يعطيهم بالضرورة صورة عن هويته، وهذا أمر كارثي لأن السماسرة يستغلون تلك الهويات بأمور أمنية خطيرة لا سيما شراء خطوط هاتف من خلالها على أقل تقدير، فضلًا عن طلب السمسار من الشخص (الضحية) كود الدخول إلى بوابة الحكومة التركية الإلكترونية المعروفة باسم (E. DEVLET) وهذا أمر جدًا خطير كون السمسار المستغل يستطيع الحصول على ما يريده من قبل الشخص الضحية بكل سهولة كون كل دوائر الحكومة أمامه.
سيبقى السوريون أينما حلوا وارتحلوا يعانون من الظلم، وكما قال الشاعر:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة… على المرء من وقع الحسام المهند

فحذار أيها السوري من تسليم هويتك (بطاقة الحماية المؤقتة) لأشخاص كي يحجزوا لك لأجل تحديث البيانات، فالعواقب وخيمة خاصة إذا استُغلت معلوماتك في أشياء أمنية ومشبوهة، وقد حدث الأمر مع الكثيرين، وإن كنت لا تستطيع الحصول على موعد لتحديث البيانات بمفردك فاسأل أشخاصًا ثقات ليساعدوك، إلى أن يُحلَّ أمر الموقع الخاص بالتحديث ويصبح دون ثغرات وعادلًا للجميع.

الجنسية التركيةالسوريون في تركياالنظام السوريسورياصحيفة حبر