في الذكرى العاشرة… الشهداء خنقًا

صهيب طلال إنطكلي

856

الساعة تشيرُ إلى الثانية عشرة قليلًا، إنّها ليلة 21 آب 2023 وإِنّه طريق جنديرس القديم، هكذا هو اسمه على ذمّةِ الرّاوي العفرينيّ، تمرّ علينا اليوم الذكرى العاشرة لمجزرة الكيميائي، هناكَ بالقربِ مِن دمشقَ عاصمةِ الأمويين، حين استخدم الفرعون سلاحه الكيميائي ليقتل بالجملةِ، حين لم يشفِ عشقَه للدماء القتلَ بالعشرات، فقتلَ بسلاحه الجبانَ بالمئات، تقول إحصائياتُ الشّهداء آنذاك أنّ قرابة ألفٍ وأربعمئةٍ قضوا نحبَهم، ولم يُبدّلوا تبديلًا، الأطفال الذين ماتوا خنقًا منذ عشرةِ أعوامٍ خلتْ أشعرُ بهم ينظرونَ إلينا، ويُشفقون علينا من موقِعهم هناكَ في الغيبِ عندَ مليكٍ مُقتدر، حالُنا وحالهم تشبه حالَ الرجلِ الشهيد في سورة يس، ذاكَ المصلحُ التّقيّ الذي جاء مِن أقصى المدينة يسعى لنصح قومِه، ثم قتلوه، فقالَ بعد موته المشتهى (يا ليتَ قومي يعلمونَ بما غفرَ لي ربّي وجعلني مِن المكرَمين).

اقرأ أيضاً: جرحى بغارات روسية تستهدف حفل زفاف في إدلب

وأولاء طيورُ جناتِ النعيم أكاد أسمعهم يهتفونَ بنا، يا ليت أهلنا يعلمونَ كيف جعلنا ربُّنا مِن المُكرَمين.
وليل عفرينَ – وحرصًا على أمانة النّقلِ – في الذكرى العاشرة للمأساة ليس هادئًا أبدًا، لا شيءَ هنا في عفرينَ يوحي بالإحساس بالنّكبةِ، ولا حتى على العكس بالفرجِ المنتظر، ونحن بالذات نسير عكسَ الطَّريقِ تمامًا، والغريب أنّه كلّما تعاظمتْ خيباتُنا تعاظمَ معها ضلالنا المريب! غريب!
تبدو الصورة هنا جنونيّةً حقًا، عرسٌ بالغُ القربِ مني صدّعَ رأسي حتى كاد ينفجر، كنتُ أحاول قبل قليل أن أصفوَ، ولكنّ صوت المطربِ والطّبل والصياح، لم يترك مساحةً الهدوء الليل.
ثمّة فرحةُ هنا ممزوجةٌ بالمعاصي، قالَ الرّجل السبعينيّ هامسًا في أذني خشيةً: إذا تقادمتْ مجزرةُ الكيميائي منذ سنينَ عشرة ننساها!، فأخبارُ الغارات الروسيّة على إدلب وما تخلّفه من إرهابٍ وألمٍ و شهداء ربّما تأتينا تباعًا، وهؤلاء يطربون، لو أحسنّا الظن بهم لقلنا إنّهم لم يسمعوا الخبر،
ولو أسأنا الظنّ لقلنا إنهم يعلمون ولكنّ أكثرهم لا يعقلون.
الرجل السبعينيّ غادرني وغاب وسط الطريق الطويل، والصورة الجنونية ترتسم بمخيّلتي على طَرَقات دُمّ الطبلِ وتكاته، لا شيء هنا يوحي بالجمالِ في عفرين، في هذا الوقت المتأخر.
تقبّل الله شهداءَ الغوطةِ في دمشقَ وحمى الله إدلب وأهلها، وبين تلك وهذه تقبل مئات آلاف الشهداء قضوا على مرّ السنين، صوتُ المطربِ يؤلمني، وأنا أجلس وحدي في ليلِ عفرينَ الغريب.

 

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط