الأمن في الإسلام

بيان القادري

392

نِعم الله على الخلق كثيرة لا تعد ولا تحصى، وأعظم النعم بعد الإيمان بالله عز وجل نعمة الأمن، فالأمن عكس الخوف، الأمن طمأنينة القلب وسكينته وراحته، والحياة لا تزدهر وتتطور من دون الأمن، فكيف يحلو العيش إذا انعدم الأمن، فمعه تنبسط الآمال وتطمئن النفوس، فإذا شاع الأمن تعددت أنشطة البشر وزاد عليهم رزق ربهم ويفتح عليهم أبوابه.

فلا يطيب طعام ولا يُنتفع بنعمة رزق إذا فُقد الأمن، لذلك قدمت نعمة الأمن على نعمة الرزق في الآية الكريمة { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}

الأمن هو مجموعةٌ من التدابير والقوانين التي يتّبعها الإنسان لتحقيق الحماية لنفسِه ومالِه وممتلكاته أو عرِضه أو أيّ شيءٍ ثمينٍ يخاف عليه يعتبر الأمن بكافّة أشكاله ذا أهمّية كبيرة للأفراد، والجماعات، والمُجتمعات، ويمكن تلخيص هذه الأهمّية في النقاط الآتية :
١. يُعتبَر الأمن الغاية التي سعت إليها الحضارات، والأُمَم على مرّ العصور، وهي أيضاً الغاية التي تسعى إليها المُجتمعات، والحضارات الإنسانيّة المُعاصِرة، كما أنَّ مُختلف الشرائع السماويّة حثَّت على وجود الأمن؛ باعتباره ضماناً لتطوُّر، واستمراريّة المُجتمعات
٢. يُعَدُّ الأمن من أهمّ مُقوِّمات حياة الإنسان، وضرورة أساسيّة لكلّ جُهد بشريّ. ومن الجدير بالذكر أنَّ وجود الأمن يُحقِّق الهدف من خلافة الإنسان في الأرض؛ فهو يسمح للإنسان بتوظيف مَلَكاته، وإطلاق مَهاراته، وقُدراته، وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المُتاحة، ومُعطيات الحياة لعمارة الأرض
٣. يُعتبَر الأمن غاية أساسيّة للعدل؛ فالحُكم بالعدل، والشَّرع، من شأنه تحقيق الأمن في الحياة، أمَّا عدم إقامته فيُؤدّي إلى غياب الأمن.

اقرأ أيضاً: عمر السومة يعتزل دولياً بسبب إهانته من قبل نظام الأسد

ويعتَبِر الإسلام الأَمْن في غاية الأهميّة، فقد سنّ قانوناً لحماية المسلمين وحرّم الإيذاء فيما بينهم، فعندما يدخل الشخص في الإسلام فدَمه وعِرضه وماله حرام على أخيه المسلم لا يجوز له اختراق هذا الأمن، بل اعتبر الاعتداء على حياة المسلمين من الكبائر التي توقع صاحبها في التهلكة، وتوقع المفاسد في المجتمع وفي الحديث: لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً. رواه أبو داود وصححه الألباني، وفي الحديث: من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي… رواه مسلم.

لا يجوز ترويع أحد من الناس أو تخويفه أو إزعاجه ولو من باب المزاح أو اللعب، أو بحثا عن الاثارة والفرجة والترفيه عن الآخرين. فالسماحة في المعاملة خلق إسلامي جميل. لما روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رحم الله عبداً سَمْحاً إذا باع، سَمْحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى).

فإن شريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم منعت الترويع حتى للحيوان فما بالك بالإنسان ومن ذلك شكوى الحمامة حينما روعت في فراخها، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، ومررنا بشجرة فيها فرخا حُمَّرة (طائر صغير كالعصفور)، فأخذناهما، قال: فجاءت الحمرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تصيح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من فجع هذه بفرخيها؟)) قال: فقلنا: نحن، قال: ((فردوهما)) رواه أبو داود.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

ومن اسباب دوام الأمن والأمان في حياتنا، الوقوف على حقيقة التقوى وحسن الاستقامة التي دعا اليها القرآن العظيم، لان الملتزم بدين الله يفرض عليه ان يحافظ على نعم الله ومنها نعمة الامن في وطنه، ويدعو من حوله من خلال الخطاب الآلهي الآمر المرغب للحفاظ عليها، واذا جحد الناس نعم الله تعالى والتي لا تحصى، فان الله يسلبهم نعمة الامن والاستقرار، ويذيقهم آلام الجوع والخوف بما كسبت أيديهم، قال الله تعالى «وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون».

وأيضاً طاعة الله وعدم المجاهرة بالذنوب والمعاصي، فإن المعصية إذا خَفِيَتْ لم تضر إلا صاحبَها، وإذا أُعلنت ضرَّت الجميع، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمَّهم الله بعقاب))، وقال: ((ما من ‌قوم ‌ُيُعمَل ‌فيهم ‌بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيروا، ثم لا يغيروا، إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب)
كما يجب الحرص على شكر نعم الله تعالى، ومن أجلها نعمة الأمن، فإنه بالشكر تدوم النعم وتزداد.

قال -تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)[إبراهيم: 7]، والعكس بالعكس؛ فبكفر النعم تزول ويحل محلها العذاب بالخوف، وهذه حادثة واقعية قصَّها علينا القرآن الكريم قائلًا: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل: 112]، فقد كانت القرية في طمأنينة وأمان وفي رزق رغد، فلما كفرت النعمة أبدلها الله الجوع محل الرزق الرغد، والخوف محل الطمأنينة والأمن وذلك -أيضًا- قابل للتحقق في كل عصر إذا ما توافرت أسبابه.

وأخيراً الحرص على الدعاء بدوام الأمن والاستقرار: فقد سمعنا الخليل إبراهيم -عليه السلام- وهو يدعو فيقول: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا) ومرة قال: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا)، فلندْعُ إذن لأوطاننا ولأهلينا ولبيوتنا ولطرقاتنا ولقلوبنا ولنفوسنا أن يرفرف عليها الأمن والأمان والطمأنينة والوئام والسلامة والإسلام

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط