المعارضة التركية تقامر بوعود عقيمة

غسان الجمعة

الطاولة السداسية
1٬813

تزداد حدة التنافس في الانتخابات الرئاسية التركية بين المرشَحين رجب طيب أردوغان وكليتشدار أوغلو بعد أن قررت لجنة الانتخابات العليا اللجوء الى جولة انتخابية ثانية حاسمة حيث تعمل فرق كلا المرشحين على توفير أكبر حشد ممكن من الناخبين لبرنامج مرشحها وإقناع المواطن التركي بالخطط والوعود التي تعهد بها كل منهما.
الملفت للنظر في برنامج المرشح الرئاسي المعارض هو الوعود العريضة التي تجاوزت في بعضها معطيات الواقع والظروف الداخلية للدولة التركية وإن كانت السياسية بالعموم هي فن الممكن فإن المعارضة التركية من خلال وعودها الانتخابية تجاوزت الممكن إلى الأحلام والأماني وهو ما يدعو للشك في مصداقيتها وملاءمتها للوضع الحالي في تركيا.

نقابة المحامين توقف المرافعات بسبب الاعتداء على المحامي إبراهيم عبد اللطيف

البداية من الوعد الانتخابي الأهم وهو تغيير نظام الحكم من الرئاسي إلى البرلماني المعزز و الذي توافقت عليه الطاولة السداسية وتعهد كليتشدار أوغلو بتنفيذه في حال وصوله إلى سدة الرئاسة إلا أن تحالف الجمهور الذي يقوده حزب العدالة والتنمية أجهض هذا الوعد قبل نتائج الانتخابات الرئاسية في الجولة الثانية من خلال حصول تحالف الجمهور على أغلبية مقاعد البرلمان بنسبة تتجاوز50% و هو ما يعني أن المرشح الرئاسي المعارض لن يستطيع تعديل نظام الحكم (في حال فوزه في الرئاسة) لأنه بحاجة إلى تحقيق موافقة ثلثي أعضاء البرلمان الذي لا تملك المعارضة بطاولتها السداسية نصف مقاعده اليوم أو أن المعارضة مجبرة لطلب الاستفتاء الشعبي على تعديل الدستور وهو ما يتطلب موافقة 60% من أعضاء البرلمان لطرحه على الناخبين الأتراك وهي مهمة غير سهلة و معقدة في ظل التوزيع الحالي لمقاعد البرلمان.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب  اضغط هنا

وفي السياق الاقتصادي قال كيليتشدار أوغلو إنه سيزيد الحد الأدنى لرواتب الموظفين إلى 2.5 ضعف الراتب الحالي وهو ما يعني أن أقل أجر موظف حكومي سيتجاوز21 ألف في ظل تضخم اقتصادي تعيشه تركيا عقب جائحة كورونا و استنزاف الموارد في عملية إعادة الإعمار إثر الزلزال المدمر الذي ضرب عدداً من ولايتها الجنوبية عدا عن أسلوب ميرال إكشينار في توزيع الأموال من خلال تصريحاتها في حسابات المتقاعدين وغيرهم وهو و إن كان قانونياً إلى حد ما فإنه غير أخلاقي في سياق الخطاب السياسي مع المواطن التركي الذي يساوم بالرشا مقابل صوته الانتخابي.

وعلى صعيد السياسية الخارجية فإن مسألة إعادة اللاجئين والتطبيع مع النظام السوري وتسوية المسألة الكردية وسحب الجيش التركي من سوريا هي أبرز الملفات التي تجاهر بها المعارضة التركية سيما وأن هذه الملفات مترابطة اليوم إلى حد ما في سياق الحل السوري والأمن القومي التركي فإن ما يغيب عن المعارضة التركية هو ثمن التنفيذ والآليات عن الوعود، وإطلاقها في الهواء مجاناً، فاللاعبون الإقليميون والولايات المتحدة ومنظومتها الغربية والذين تعتبرهم المعارضة التركية حلفاء في معركتها الانتخابية ضد أردوغان تتعارض مصالحهم مع هذه الرؤية كما أن كليتشدار لم يكشف آليات وخطط تنفيذ هذه الوعود في ظل المشهد المعقد بما يضمن مصالح تركيا الوطنية وهو ما يمكن ترجمته بدعوة الناخبين الأتراك للتصويت للمجهول!

من جهة أخرى أكد مرشح المعارضة أوغلو مراراً على عزمه إعادة تركيا إلى اتفاقية اسطنبول لمكافحة العنف ضد المرأة وتعزيز الحريات الشخصية وهي اتفاقية انسحبت منها تركيا في العام 2021 ويرى فيها قسم كبير من الأتراك المحافظون أنها تهدد وحدة الأسرة وتستخدم من قبل المثليين للحصول على قبول أوسع في المجتمع في تحدي واضح لثقافة وقيم المجتمع التركي، و في إطار الصناعات الدفاعية والمشاريع القومية تتوعد المعارضة بإيقاف مشاريع عملاقة منها مشروع قناة إسطنبول و تنتقد الصناعات الدفاعية للجمهورية لأسباب غير مقنعة للناخب التركي وتكشف عن نوايا كيدية هدفها إرضاء الأنا السياسي للشخص والحزب أكثر من كونها خطوات وطنية تسعى لتحقيق مصلحة الجمهورية.

إن الوعي لدى الناخب التركي هو الفيصل في النهاية ولا يخرج عن دائرة هذا الوعي التفكير بوعود كليتشدار أوغلو بمنطق مقولة الفيلسوف جان جاك روسو ” البطيء في إعطاء الوعود أكثر مصداقية في الحفاظ عليها” بالمقابل فإن قياس الأداء لمرشح الحزب الحاكم أردوغان لن يكون بالوعود فقط بل بالنتائج عن فترته السابقة فالاختيار هنا بين من يفوز لأجل الوعود ومن يستمر لأجل البناء.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط