كيف يبدأ التغيير – تحريك القاعدة 3 (فهم الشبكات)

أحمد وديع العبسي

650

يعتبر ما اصطلحنا عليه باسم (القاعدة) أرضية الشبكة، لذلك فإن فهم الشبكات القائمة في بنية معينة أو كيان معين يعتبر شديد الأهمية في محاولة التغيير، من خلال العمل على تحريك القاعدة كاملة بالاعتماد على التأثير المباشر على نقاط القوة والدافعية في شبكة العلاقات القائمة والتي تشكل الجهاز العصبي للبنية، وهذا هو موضوع مقالة اليوم:

الخطوة الخامسة: فهم الشبكات ورسمها وتحديثها باستمرار

لا بد من محاولة لرسم خريطة العلاقات المتشابكة التي تشكل البنية الصلبة وامتدادها للكيان المستهدف في عملية التغيير، وذلك بغية معرفة مرتكزات القوة أو نقاط الدفع التي يجب التأثير عليها من أجل تحريك القاعدة باتجاه مختلف لما هي عليه.

نقاط الدفع هي عبارة عن محركات وحوامل متنوعة في القوة والثبات والقدرة، وهي التي تحمل البنية وتدفعها بالاتجاه الذي ترغب به عبر علاقات منسجمة فيما بينها، سواء كانت تلك العلاقات مُدركة ومخطط لها، أو تراكمية غير واعية، يفرزها النظام بطبيعته لتتموضع بالطريقة التي يرغب بها، عبر وضع معوقات كبيرة لا تسمح ببناء حوامل أو نقاط قوة مختلفة في التوجه، …

فمثلاً لا يمكن الوصول إلى وظائف عليا، وسلطات كبيرة ونفوذ قوي في معظم الدول العربية إلا لمن يكون فاسداً وغير معني سوى بمصالح الطبقة الحاكمة وحصته منها، وبالتالي فكل من يصل هو مبرمج مسبقاً ليقوم بدوره، ويقع تحت سيطرة قوة المركز.

إن فهم تلك العلاقات وفهم طبائع كل نقطة قوة وما الذي يُشكلها، يخلق فرص كبيرة للتأثير بها، وإحداث اختراقات صغيرة داخلها تخفف من صلابتها واستقرارها، وبالتالي تهتز الثقة في “البنية“، كما أن فهم هذه العلاقات المتشابكة يسمح بإضافة نقاط قوة جديدة منافسة تعمل باتجاهات أخرى، وتسمح بضرب النقاط الأكثر ضعفاً، المتآكلة أو الكهلة، ليس لصالح عملية التغيير في كل مرة، وإنما يمكن أن يتم ذلك لصالح نقاط أخرى استطاعت قوى التغيير أن تقيم معها علاقات جيدة تسمح لها باستغلالها في وقت ما. أو عبر تحفيز النقاط الأقوى على ابتلاع النقاط الأقل قوة وذلك لخلق حالة من الصدام الداخلي في البنية يصيبها بالشلل وعدم القدرة على الحركة، ويمنح وقتاً أطول لقوى التغيير لتصبح أكثر كفاءة في وقت الركود أو الصراع الداخلي.

ومهم جداً في هذه المرحلة دراسة الامتدادات أو نقاط التغذية الخارجية للبنية، والعمل على قطع كل علاقات هذه البنية بمحيطها الخارجي، والبدء بالتركيز على علاقات الإمداد الضعيفة أو شبه المحايدة، التي تتصل بالبنية دون أن تغذيها، وهذه يتم التعامل معها بطريقتين:

الأولى: أن يتم العمل على قطعها تماماً أو التشويش عليها ومحاولة الاستفادة منها لتكون في صف قوى التغيير بدلاً من أن تكون متصلة بالبنية القديمة، أو تحويلها إلى الحياد الحقيقي على أقل تقدير.

الثانية: أن تكون جسراً للدخول إلى البنية القديمة وجمع المعلومات أكثر عنها والتأثير فيها، عبر الاستفادة من علاقتها مع البنية وبناء علاقات قوية بين قوى التغيير ونقطة الأمداد تلك، أو نقطة الاتصال. (مثلاً بعض دول شرق أوروبا وآسيا بالنسبة للقضية السورية)

هذه النقاط التي توصف بنقاط الإمداد قد تكون دولاً أو شركات أو مجموعات ضغط، أو مؤثرين اجتماعيين أو …

إن محاولة فهم الخريطة الشبكية للعلاقات وتحديثها باستمرار مهم جداً للقدرة على السير خطوة صغيرة وحاسمة وذات فعالية في كل مرة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط