وثيقة المناطق الثلاث، إعلان جيد، لكنّه غير موفق

أحمد وديع العبسي

778

صدر منذ أيام وتحديداً بتاريخ 8 آذار، ما سميّ بإعلان وثيقة المناطق الثلاث، وبالعموم هي إعلان جيد، يمثل نوعاً من العقليات الثورية التي ما يزال لها وجود حقيقي ومهم في مختلف أنحاء سورية، ولا أعرف صراحة من هي الجهة التي قامت على صياغته وإعداده، ولكن يبدو أن ذلك تمّ على عجل، أو أنه تمّ دون توفر الخبرة اللازمة لصياغة إعلان بهذا الحجم توجهه ثلاث مناطق في الجغرافية السورية إلى سورية كلها، كما جاء في مقدمته.

ومن باب الواجب الوطني في التعاون، كان لابدّ من وضع بعض الملاحظات على هذا الإعلان، فهو وإن كان جيداً لكنه لم يكن موفقاً، وتضمّن بعض المغالطات، واتسمت لغته بالإنشائية والعاطفية والشعاراتية، أكثر من كونها لغة عملية تنطلق نحو أهداف محدّدة، يريد أصحابها دعوة السوريين إليها …

في البداية حدّد الإعلان نفسه بوثيقة المناطق الثلاث، ثمّ قال إنه رسالة من هذه المناطق إلى كل سورية، لأجل أن تكون هذه الوثيقة محل توافق شعبي عام في سورية، ولا أعلم هنا سبب تجاهل مناطق أخرى في سورية كانت تستطيع المشاركة بشكل علني في هذه الوثيقة! ولماذا تمّ اقتصارها على هذه المناطق؟ ويمكن أن تكون الإجابة هي ما ورد في نهاية البيان من أنّ “هذه المناطق ما زالت تحتفظ بروح الثورة وذاكرتها” وهذا عجيب!!! فهل أهالي إدلب مثلاً لا يحتفظون بروح الثورة، وهل بقية أهالي حوران والسويداء لا يمتلكونها!!

إن هذا الاستحواذ غير موفق في اللغة المستخدمة في الإعلان/الوثيقة ويعطي شعوراً بفضل أناس على آخرين، أو بنوع من التميز والوصاية بناء على ثورتهم وثوريتهم!!! وهذا ما يعطي انطباعاً أن الثورة تمايز بين الناس حتى في الخندق الواحد، ولا ذنب لأبناء مناطق أخرى سوى أن سلطة لا تؤمن بالثورة قد تسلّطت عليهم، رغم أنهم يناجزونها ليل نهار بما استطاعوا، في حين أن الوضع أميل للاستقرار في المناطق المذكورة!!!

ثمّ هل تمّ على الأقل استمزاج رأي سكان ريف حلب الشمالي بهذه الوثيقة قبل إعلانها!! فهي مقدمة باسمهم، أم أنّ بعض الناشطين كتبوا ما أرادوا ثمّ فوّضوا أنفسهم بتمثيل كل هؤلاء الناس الذين يقرب عدد الوجهاء فيهم عشرات الآلاف، أليس من الأفضل لو كانت رسالة مقدمة باسم من كتبها فقط، حتى لا تتم ممارسة هذه الوصاية …

نقطة أخرى لا تخلو من مغالطة، وهي (شعار الثورة الأول) من قرر أن مقولة “سورية لينا وما هي لبيت الأسد” هو شعار الثورة الأول!! ألم يُسبق هذا الشعار بشعارات كثيرة؟! من الذي ضبط تواتر الشعارات ثم قرر أوليّة هذا الشعار؟؟!!!! رغم أهمية هذا الشعار والتأكيد عليه وتوافق معظم الثوار على فحواه، ولكنه ليس الشعار الأول، ولا يجب أن تعطى التصنيفات دون اكتراث في مثل هذا النوع من الخطابات والبيانات، لأن ذاكرة الناس حاضرة، وهذه المغالطات تقلل من أهمية ما يأتي بعدها.

ثمّ هل تُستمد السياسة من الشعارات! أمّ أن السياسة من يطلقها! هل يليق بإعلان موجه للسوريين أن تُبنى السياسة فيه على شعار، اعتقد أن هذا الإعلان افتقد إلى الكثير من الاحترافية والتوازن والعلم بالسياسة التي كتب عنها … واتكأ على لغة الحماس والعاطفة والمشاعر

لنأتي للبند الثالث، رفض الانطواء المحلي، والتأكيد على وحدة سورية، هذه العبارة إشكالية جداً وهي مساحة كبيرة لمناقشة الهوية السورية والهويات المصاحبة، تمّ رميها بسهولة في الإعلان وكأنها عبارة سطحية!! وهي إضافة لذلك غير صحيحة وغير مقبولة، فالهويات المحلية وتعظيمها هي أساس لقيمة الهوية الوطنية، والدولة الوطنية هي ليست دولة طائفة أو جماعة أو حزب، كما جاء بالبيان، وإنما دولة لكل ذلك تضم الأحزاب والجماعات والملل، وهذه المفردات لا علاقة لها بلفظ “المحلي” التي تعبر عن الجغرافيا في العرف اللغوي، ولا تعبر عن الإيديولوجيا كبقية المفردات التي استخدمت في الشرح، وهذا مما يعزز انشائية الخطاب وعدم كفايته …

البند الرابع فيه إعادة لاكتشاف المكتشف، أو لنقل الإشارة إلى البديهيات عندما يعلمنا من كتب الخطاب أن الخلافات تحل بالحوار!، وكأن السوريين شعب لا يستخدم سوى العنف لحل خلافاته، هذه العبارة توجه للنظام لا للسوريين الذين استفذوا الوسائل السلمية للوصول إلى حريتهم، ثم يتحفنا الإعلان بفكرة أن التنسيقية كانت فرصة لتوليد السياسة!! ولا أدري هنا أي سياسة يقصدها الإعلان أو الوثيقة.

فالتنسيقية هي حاجة المرحلة، وهي تجمعات نشأت من أجل هدف معين أبعد ما يكون عن السياسة، هو المظاهرات ومعرفة أوقاتها وتحديد شعاراتها، ومن أجل ذلك تنشأ التنسيقيات، من أجل أهداف عملية مباشرة لا خلاف ولا اختلاف عليها حيث يسهل جمع الناس، لا من اجل التداول في الاختلافات وبحث شؤون الأوطان، فهذه مهمة السياسيين ممن تعلموا وتدربوا وخاضوا في السياسة وممارستها، لا مهمة المتظاهرين وعموم الناس، ولو كانت السياسة توكل لعموم الناس، لما احتاج الناس للسلطة والحكم لتدبير شؤونهم، ولاكتفى الناس بالناس.

ثم إن التنسيقيات هي مجموعات غير متجانسة اجتمعت على تنظيم المظاهرات، وهذا العمل لا يخول أعضاء التنسيقية بتمثيل الناس أو بخوض غمار السياسة باسمهم، حيث لا تُشترط فيهم الكفاءة والخبرة، فالخروج في المظاهرات هو عمل الشجعان الذين لا يأبهون بالمخاطرة، أمّا السياسة فهي هدوء الواثب وإدارة المخاطرة.

أخيراً … وحدتنا في كثرتنا، قرأتها مراراً ولم أفهم منها شيئاً، لأن ما بعدها متعلق فقط بمفردة الثقة وأهميتها وضرورة بنائها بين أبناء الوطن، ولم يتطرق الشرح لمعنى الوحدة وارتباطه بالكثرة!!!

ورغم كل ما تقدم يبقى هذا الإعلان محاولة جيدة من بعض أبناء هذا الوطن ليطرحوا رؤاهم على أشقائهم في الوطن ذاته، لا يمثل مناطق ولا غير ذلك، ومن حقّه أن يُبث في فضاء حرّ، يرغب في الاستماع لمختلف وجهات النظر والآراء، على أن لا تحاول هذه الآراء ادعاء ما ليس فيها أو ممارسة وصاية ليست لها، أو أن تستحوذ على آراء أخرى …

وفي النهاية هذا رأيي في الإعلان والوثيقة وفي طريقة كتابتها التي افتقدت للكثير من النضج والخبرة والتوازن، ولم تحتوِ على مبادئ، وإنما على بنود إجرائية بسيطة لا تتعدى وجهة نظر، وليست جديرة بهذه الصياغة لأن تكون ميثاق وطن! رغم أنني لا أتهم من كتبها، بل ربما أثق بتوريته المفرطة، ولكنّ الأشياء عموماً تكتسب قيمتها من ذاتها، فإن لم تستطع فعل ذلك، يصعب أن تكتسب قيمة من خارجها مهما نالت من التأييد أو التلاوات القيمة …

 

نص الإعلان هنـــــــــــا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط