الفن في الشرق لا يتنفس الحرية 1

أحمد وديع العبسي

0 927

في شرقنا العربي بشكل خاص ثمَّة ظاهرة فنية لا تنتمي للفن، ولا تمثل رسالته، ولا تشبه أي فن آخر في العالم، وصراحة هي ليست ظاهرة واحدة، بل إنها المشهد الأكثر اتساعًا للفن العربي، والأكثر حضورًا في مختلف مجالاته إلا من استثناءات محدودة.

خُلِق الفن ليتنفس الحرية، ليكون شجاعًا، ليعبِّر عمّا لا يستطيع الناس التعبير عنه، سواء كان أغنية أو دراما أو سينما أو مسرحًا أو رسومًا أو موسيقى، أو أي مجال آخر يمكن أن يتبادر إلى ذهنك سريعًا عندما تذكر كلمة فن، أقصد هنا المجالات الأكثر رسوخًا في الذهن الشعبي والأكثر شعبية بين الناس، حتى لا أعمم على جميع الفنون، خاصة تلك الفنون النخبوية جدًا، التي تنتمي للصالونات أكثر من انتمائها للناس.

في شرقنا العربي الفن والفنانون لا يشبهون الأساطير التي يحاولون تجسيدها، أو التي تسكن ذاكرتنا الشعبية، لا يُعنون بالمجد ولا بالناس ولا بالرسالة، الفن في بلادنا تدجَّن بما يكفي ليبيض فقط، ليكون كالطحالب أو العلقات التي تمتصُّ دماء الناس، وتتعلق بالسلطة، وتُنافح عن المستبدين، وتقيم العلاقات المحرمة معهم من أجل الوصول للهيمنة والشهرة لا من أجل الوصول لقلوب الناس.

الفن في شرقنا يمتهن التفاهة، ولا تعنيه القضايا كثيرًا إلا بقدر ما تجلب المال والشهرة، إذ إنها عنده سلع للاستهلاك، لذلك نجد أن الدراما العربية مليئة بالقضايا التي لا نجد الفن يُدافع عنها بالحقيقة، ولا الفنانون يتبنونها أو ينتمون إليها.

الفنان رضي بدور المهرج الذي يُضحِك الناس ليُصفقوا له ويدفعوا أموالهم لمشاهدته من أجل أن يخرجوا من واقعهم الأسود، لكنه لم يفكر لحظة واحدة أن يكون بطل الناس ورمزهم، ويحمل همومهم وقضاياهم معه أينما ذهب، سواء عندما يُمثِّل أوجاعهم أو عندما يتصدى لها في الحقيقة، والجمهور تعِب لدرجة أنه تقبَّل الفنان بهذه الصورة، ولم يعد يهتم إن كان صادقًا أو كاذبًا، إذ يكفيه فقط أن يجيد التهريج، فالجميع تحت سطوة الطغاة، والفنان لن يكون حالة استثنائية.

لا أريد أن أتحدث عن بعض الحالات القليلة لبعض الفنانين الأحرار، حتى الكثير من هؤلاء لا يستطيعون فهم المبادئ التي تستند إليها حريتهم وموقفهم من الطغاة والمجرمين، فليس حرًا من خرج على طاغية دمشق ثم انتمى بوقاحة لطاغية مصر أو طغاة الإمارات، ليس حرًا من خرج على طاغية مصر ثم استكان لطغاة الخليج، المبادئ هنا لا تتجزأ لمن يحمل على أكتافه رسالة حقيقة، ليس حرًا من تشدَّق بالحرية في الشرق ثم دافع عن غطرسة بعض دول أوربا تجاه قضايا لا يحبها.

يتبع …

 

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط