الاشتراكية، الرأسمالية وجائحة كورونا

ترجمة فريق إيضاح

0 1٬915

ملخص

في سياق انتشار فيروس كورونا حول العالم، قام الدكتور مين ليانغ جو (جامعة الصين) في نيسان/أبريل 2020 بإجراء مقابلة حصرية مع البروفيسور فيكتور والِس (محرر سابق في مجلة الاشتراكية والديموقراطية) حول بعض الأمور الهامة عبر البريد الإلكتروني. يشير والِس في المقابلة إلى أن الطريقة التي استجابت بها الولايات المتحدة لجائحة كورونا تسببت في حدوث كساد اقتصادي كارثي وأن الولايات المتحدة لم تتصرف بشكل جيد حيال الجائحة. في حين أن الدول الخاضعة للنظام الاشتراكي – كالصين وكوبا وغيرهما من الدول، تصرفت بشكل جيد حيال الجائحة من خلال تطبيق إجراءات جمعت بين القرارات الإدارية والمبادرات الشعبية. كما يشير والِس إلى أن جودة الخدمات -عالمياً- قد تكون أفضل لو تم تطبيق اشتراكية كاملة. نسوق في النص التالي أبرز ما جاء في تلك المقابلة المدرجة في مجلة “أفكار دولية حرجة” على هيئة مقال.

مين ليانغ جو (م ج): في نهاية شهر آذار/مارس من العام 2020، حققت الصين تقدماً مذهلاً في إطار مكافحة فيروس كورونا، في الوقت الذي انتشر فيه الوباء في الولايات المتحدة ودول أخرى بشكل سريع بدون أن تتم مكافحته منذ البداية. برأيك، ما هو السبب الرئيسي لذلك؟

فيكتور والِس (ف و): انتشار الفيروس كان قد بدأ مسبقاً في دول أخرى قبل أواخر آذار/مارس، ونتيجة لذلك كان انتشار الفيروس سريعاً جداً، ومن المعروف، أن فيروس كورونا معدٍ للغاية، وليس بالضرورة ظهور أعراض على المصابين به، وهاتان الصفتان إذا اجتمعتا تؤديان إلى انتشار سريع للوباء، إلا إذا تحققت متطلبات معينة.

بشكل أساسي، من الضروري توفر المعدات الكافية لإجراء اختبارات التشخيص المناسبة، ومعدات الوقاية الشخصية (أقنعة، قفازات، معقمات أيدي إلخ، خصوصاً للعاملين في المجال الصحي)، وأجهزة تهوية.

وبشكل أساسي أكثر، يجب تواجد بنية تحتية صحية مهيأة؛ بمعنى، يحب أن يكون هناك مستشفيات كافية، أطباء كافين وطواقم عناية صحية كافية للقدرة على الاستجابة بشكل فعال للطوارئ؛ ويجب أيضا التأكد من القدرة على إجراء الفحوصات وتقديم العلاج للجميع بدون مقابل.

متطلب آخر يجب تحقيقه، وهو أن القرارات الإدارية المتخذة يجب أن تكون قائمة على رأي علمي، وليس على أسس تجارية، أو على سبيل مناورة لإحراز تقدم سياسي. أيضاً، الأولوية تكمن بمشاركة الخبراء معارفهم على نطاق واسع ليتسنى للجميع فهم مدى الحاجة لأي تدابير يتم اتخاذها. تاريخ الأوبئة لا حصر له، ويجب تثقيف الشعوب حول القرارات الإدارية حيال الأوبئة كما يتم تثقيفها فيما يتعلق بأي نهج بديل محتمل، خصوصاً تلك التي تنطوي منها على التحكم الاجتماعي والتي تتطلب التزامًا شاملًا. مسائل كتلك يجب أن تتم معالجتها بعيدًا عن أي ضغط سياسي، مع إعطاء الاهتمام الأكبر لأولئك الذين يعانون من ظروف صحية و/أو اقتصادية متردية.

هنالك متطلبات إضافية يجب تحقيقها على مستوى المؤسسات؛ حيث يجب منح حق (إجازة مرضية شاملة) بحيث لا يخشى الأفراد أن يتأثر دخلهم في حال توقفوا عن العمل لدواعٍ صحية، كما يجب منح حق (تعويض توقف العمل) لأولئك الذين توقفت أعمالهم تمامًا بسبب الوباء. يجب أيضاً ألّا يعاني أي شخص من مشكلة البقاء بدون منزل (والذي بدونه يصبح تطبيق الحجر الصحي الذاتي أمرًا مستحيلًا). يجب أيضاً ألّا يكون هنالك أي تمييز -فيما يخص الرعاية الصحية- بين المواطنين والمقيمين قانونيًا أو أي فرد آخر، باعتبار أن أي شخص يمكن أن يكون ناقلًا للفيروس. أخيرًا، يجب أن تملك الحكومة المقدرة والإرادة السياسية الكافية لتسخير أي موارد عند الحاجة إليها، ابتداءً بالتوعية، وتأمين المؤن الغذائية، وليس انتهاءً بالإعمار السريع للمستشفيات المؤقتة.

مع كل هذه المعطيات الحرجة، فإن الولايات المتحدة تعاني الكثير من الأخطاء. أكبر الأخطاء التي تعاني منها الولايات المتحدة -وهو أمر ليس بجديد- هو أن الإدارة الحالية تعاملت مع الأزمة بشكل غريب. على مدى أسابيع، وبعد أن تم الإخطار بالوباء حتى، تعاملت الإدارة مع الوباء بشكل هزلي، ورفضت أن تجري الفحوصات التشخيصية والتي أتاحتها منظمة الصحة العالمية سلفًا، وفشلت في استخدام سلطتها لإنفاذ إنتاج إضافي طارئ للمعدات الحيوية، حتى بعد أن أصبح خطر الوباء أمرًا حقيقيًا لا يدع مجالًا للشك وخطرًا يهدد المجتمع.

عوضًا عن إبداء التضامن محليًا وعالميًا، مارست الإدارة “العنصرية العرقية” (حيث دعا ترامب الفيروس بـ “الصيني” مما أدى إلى تعزيز الهجوم العنصري على الأفراد من أصول شرق آسيوية)، كما كثفت عقوباتها على إيران وفنزويلا، وحاولت إعاقة برنامج كوبا للتعاون الطبي الدولي. أهملت أيضا الإدارة الحالية للولايات المتحدة الحماية البيئية عقب إعلان حالة الطوارئ في البلاد واستخدامها ذريعة لذلك، كما جعلت أدنى تدابير الإغاثة للطبقة العاملة مشروطة بخطط إنقاذ مالية ضخمة للشركات الكبرى.

لا أشكك في مخاطر الحجر الصحي طويل الأمد والذي يحظى بدوره بالعديد من الأضرار على الصحة العامة. من بين جميع تلك الأضرار، قد يتسبب في عدم مراجعة المستشفيات في حال حصول مشكلة صحية بعيدا عن كورونا؛ ولكن استئناف الحياة الطبيعية يجب أن يتم التخطيط له بشكل مدروس، مع وضع الطرق المختلفة التي قد يتفاعل فيها الناس مع ذلك الاستئناف في الحسبان. أيضًا، يجب إجراء حوار شعبي لمناقشة أبعاد معينة لمسألة “عادات ما قبل الجائحة” -على سبيل المثال، مسألة الازدحام الروتيني في الشوارع والطرق السريعة- والتي تستحق إعادة نظر

(م ج): يقال إن هذه الجائحة هي أبرز اختبار ركز على إيجابيات وسلبيات القدرات الإدارية للرأسمالية والاشتراكية – فيما يخص الصحة العامة – واجهه العالم منذ الحرب العالمية الثانية،. ما رأيك في ذلك؟ ما هي نقاط ضعف وقوة كل من الرأسمالية والاشتراكية في التعامل مع المخاطر؟

(ف و): إن المنهج الرأسمالي فيما يخص الرعاية الصحية متمثل في قصور نظام الولايات المتحدة الأمريكية. حيث يكمن جوهر هذا المنهج في معاملة الرعاية الصحية كسلعة، وبالتالي، فإن تقديمها يعتمد على قدرة الفرد على الدفع. قد يقول البعض أن ذلك يمكن أن يكون مخففًا بمساعدة التأمين الصحي، ولكن إذا كان التأمين الصحي -أيضًا- رأسمالي، فإن الفرد قد يصبح في مواجهة خطر عبء مالي ثقيل، إن لم يكن خطر الحرمان الفعلي من الإجراء الطبي اللازم. (حتى في ظل الحالة الطارئة التي خلقها فيروس كورونا، يتم رفض إجراء الفحوصات التحليلية لأولئك غير المأمنين صحياً). كانت استجابة الولايات المتحدة الوحيدة لتكاليف التأمين الصحي الخاص هي ممارسة سحب أقساط التأمين للأفراد من أصحاب أعمالهم. سُلّط الضوء على مدى عبثية إجراء كذلك في ظل هذه الأزمة -إن لم يكن ظاهرا سلفاً- حين فقد الكثير من العمال تأمينهم الصحي بالتوازي مع فقدانهم لأعمالهم.

يتضح التعارض الكبير بين مبادئ الرأسمالية والاحتياجات الإنسانية أكثر ما يتضح في نطاق الرعاية الصحية، لأننا نرى هنا تناقضاً صارخاً بشكل غير اعتيادي بين التكلفة المحتملة للإجراء الطبي الجيد ومقدرة ذوي الدخل المنخفض أو حتى المتوسط على الدفع لتلقيه. إن مفهوم قياس الحاجة من خلال السوق أثبت فشله ليس فقط في الولايات المتحدة، بل وفي بلدان أخرى تطبق الرأسمالية، وتم -على نطاق واسع- إثبات أن توفير الرعاية الصحية يجب أن يكون قائم على مبادئ اشتراكية. إن التطبيق الحقيقي لمنهج الاشتراكية في توفير الرعاية الصحية يعتمد على ضغط الطبقة العمالية المنظمة (ومن المعروف أن الطبقة العمالية ضعيفة بشكل واضح -كقوة سياسية- في الولايات المتحدة). تبقى مشكلة أن نظام الرأسمالية يميل إلى إضعاف ضمانات الصحة العامة كما حدث -على سبيل المثال- في إنجلترا حيث يتم تقويض مؤسسة الصحة الوطنية من خلال خصخصة التدابير.

إن النهج الاشتراكي الأكثر شمولية يستلزم إعادة تنظيم المجتمع على نحو اشتراكي، وهو ما من شأنه أن يجعل الاستعانة بنهج وقائي في التعامل مع الرعاية الصحية أمراً ممكنًا.

علاوةً على ذلك، إذا تم تطبيق النهج الاشتراكي ليس فقط على التأمين الصحي ولكن على الخدمات الصحية نفسها، فسيصبح من الأسهل تخصيص المهارات والإمدادات على أساس الحاجة. في ظل الجائحة القائمة، سمعت عن مستشفى في فلوريدا كان قد أوقف موظفيه مؤقتًا، وهدد بطرد أي أحد من طاقم التمريض الخاص به إن قدم خدماته -على أساس حالة طارئة مؤقتة- لمستشفى محلي آخر -منافس في السوق- كان يعاني من تزايد كبير في أعداد مرضى فيروس كورونا المستقبَلين.

إن المنهج الاشتراكي فيما يخص الرعاية الصحية يتجاوز مجرد الاستجابة لطلب السوق أو المصالح الخاصة، وبدلًا من ذلك، يهيئ بنية تحتية يمكنها الاستجابة للاحتياجات الطارئة. ظهر ذلك بشكل واضح في الصين، حيث تم بناء مستشفيات مؤقتة حين الحاجة إليها في مدينة ووهان خلال أسبوعين فقط، وأخذ التخطيط في الاعتبار أيضًا الحاجة إلى الحفاظ على المؤن الغذائية للأشخاص الذين يعيشون في الحجر الصحي. بالإضافة إلى ذلك، فإن النهج الاشتراكي الكامل مع ما يحمله من ثقافة التعاون -كما أوضحت كوبا مرارًا- يعزز إمكانية تقديم الخدمات الصحية على نطاق واسع إلى الناس في البلدان الأخرى.

إن النهج الرأسمالي لا يعاني فقط من العيوب التي أشرت إليها؛ فهو -في شكله “النيو ليبرالي” الحالي، أعطى الأولوية بشكل متزايد لخفض التكاليف. بنفس الطريقة التي قام مجال الصناعة من خلالها -باستخدام التقنيات الجديدة- بالاتجاه رويدًا رويدًا نحو “الإنتاج اللحظي” (وليس بناء المخازن، مما قد يؤدي إلى نقص مفاجئ) يقوم مجال الرعاية الصحية -في إطار سعيه نحو الـ “فعالية”- بإغلاق المستشفيات وتقليل أسرّتها، حتى أصبحت غير كافية حينما حدثت حالة طارئة كوباء كورونا. ومن المفارقات، أن حاكم نيويورك أندرو كومو والذي ظهر كناقد بارز لإخفاقات الحكومة الفيدرالية، كان مسؤولًا بنفسه عن خفض عدد أسرة المستشفيات في ولايته من 50.000 إلى 30.000.

يجسد النظام الأمريكي بشكل فريد الأولويات الرأسمالية ليس فقط في تقليل القيود على “المصلحة العامة”، ولكن أيضًا في هوسه بسعيه إلى أن يكون أكبر قوة عسكرية في العالم. في الوقت الذي تشجع فيه الاشتراكية أتباعها على النظر إلى المجتمع الدولي على أنه مجال للتعاون، فإن الرأسمالية تسلط الضوء على المنافسة والهيمنة؛ ومن هذا المنطلق، حددت حكومة الولايات المتحدة بشكل واضح دورها العالمي (في وثيقة استراتيجية الأمن القومي لعام 2002) على أنه يتطلب تفوقًا عسكريًا دون منازع، وهذا يعني -من وجهة نظر الولايات المتحدة- عدم وجود أي حد لنفقات “الدفاع”، ولكن -نتيجة لذلك- تخضع جميع بنود الميزانية الأخرى لقيود شديدة. من المفترض أن يكون التركيز العسكري مبررًا على أساس “الأمن القومي” ولكن، ما الذي يمكن أن يهدد أمن الدولة بشكل أكثر خطورة من عجز الحكومة عن حماية سكانها من وباء قاتل؟

إن طبيعة وباء كورونا تهدد بشكل خاص أولئك الذين يُجبرون على الاقتراب من بعضهم البعض. لا يتم تطبيق التباعد الاجتماعي من قبل الجميع على حد سواء، حيث إنه من الجلي أن العاملين في مجال الرعاية الصحية معرضون للخطر بشكل خاص، وكذلك العاملين في مجالات أخرى ممن يقدمون خدمات حيوية – كإنتاج الأغذية وتوزيعها- وكذلك الأشخاص الذين يجبرهم الفقر على العيش في بيئة مزدحمة. إن الأفراد الذين في السجون أو مراكز الاحتجاز معرضون للخطر بشكل كبير أيضاً، لأنها -السجون ومراكز الاحتجاز- تفتقر عادةً إلى أي شكل من أشكال الحماية.

(م ج): عموما، هل تظن أن الاشتراكية فعالة أو مناسبة أكثر من الرأسمالية فيما يخص التعامل مع الأحداث الطارئة العامة -حرائق الغابات، الزلازل، الأعاصير، إلخ- وإن كانت كذلك، فلماذا؟

(ف و): إن ما ذكرتُه بشأن الاستجابة للأوبئة ينطبق على أي حدث طارئ عام، ففي جميع هذه الحالات، يتم تعطيل الأنشطة والمسؤوليات الروتينية. إن الوهم الذي ترعاه الرأسمالية بشأن الاكتفاء الذاتي للفرد ينهار تمامًا، فإن أي إنقاذ محتمل، يعتمد على المجتمع بأكمله. في حين أن الإحساس بالتضامن كان هو القاعدة في العهود السابقة -وبالرغم من عدم اختفائه تماماً في ظل الرأسمالية- فقد أصبح الآن ذو وجود هامشي فقط، وغالبًا ما تطغى عليه أيديولوجية عدوانية للفردية القاسية. إن عقلية “حرب الجميع ضد الجميع” الناتجة تقود الآن قطاعًا متزايدًا من سكان الولايات المتحدة إلى الاستجابة للوباء من خلال تسليح النفس، مما يتسبب في زيادة حادة مفاجئة في بيع الأسلحة النارية والرصاص.

لا يزال التضامن موجودًا داخل العائلات وبين الأصدقاء وفي الجمعيات التطوعية (سواءً كانت دينيةً أو ثقافيةً أو سياسية)، ولكن لا يوجد إحساس بالتضامن على مستوى المجتمع الأمريكي ككل، وبات الحث على الوحدة الوطنية أمرًا شعائريًا فحسب.

يُأخذ شعار دونالد ترامب “جعل أمريكا عظيمةً مرةً أخرى” -على نطاق واسع ودقيق- للدلالة على أنه “جعل أمريكا بيضاء مرةً أخرى” حيث إن الازدهار الذي تهدف إليه العبارة يعود إلى الوراء في فترة ما بعد 1945 من التفوق الاقتصادي العالمي للولايات المتحدة ويستبعد إلى حد كبير الأمريكيين من أصول أفريقية. مع التدهور الاقتصادي النسبي للولايات المتحدة منذ منتصف السبعينيات، عانت الطبقة العاملة لسببين؛ الأول هو انتقال وظائف التصنيع إلى البلدان منخفضة الأجور، والثاني هو السياسات الليبرالية الجديدة (تحرير الصناعة، والبنوك، بالإضافة إلى تقويض الخدمات الاجتماعية) التي يفرضها كل من الديمقراطيين والجمهوريين. إن خطاب ترامب العنصري المعادي للأجانب يجذب الانتباه بعيدًا عن هذه السياسات، ويورث الطبقة العاملة البيضاء شعورَ أن سبب مآسيها هم المهاجرون والمسلمون وذوو البشرة الملونة.

وتوضح كوارث أخرى حدثت مؤخرًا في الولايات المتحدة كيف أنه يمكن للأجندات الخاصة من مختلف الأنواع – والتي غالباً ما تغذيها العنصرية – أن تعرقل طريق الاهتمام بالصالح العام في ظل الرأسمالية غير المقيدة. إعصار كاترينا يمثل أحد الأمثلة، حيث تسبب – في أعقابه – في معاناة لسكان ولاية نيو أورلينز من ذوي الدخل المنخفض من الأمريكيين الأفارقة، حيث تمت معاملة أولئك الذين سعوا إلى البقاء – في كثير من الأحيان – كمجرمين، وفقد العديد منهم جميع ممتلكاتهم واضطروا لمغادرة المدينة بشكل دائم بسبب نقص الإغاثة العامة.

بشكل عام، يمكن القول إن الموارد التي يتم امتصاصها في القطاع الخاص يتم -بالفعل- سحبها من القطاع العام فيما يخص أي خدمة عامة، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم وكذلك الإغاثة في حالات الكوارث. حينما تتم خدمة جميع السكان من قبل المؤسسات المعنية (المستشفيات، المدارس، مكاتب البريد، الحافلات، قطار الأنفاق، إدارات إطفاء الحرائق، إلخ)، فإن الخدمات التي يقدمونها ستكون ذات جودة أعلى مما لو تم تقديمها فقط إلى ذلك الجزء من الشعب – والذي يمثل الغالبية العظمى – الذي لا يستطيع دفع ثمنها مباشرةً؛ لأنه عندما تكون المؤسسات المعنية موجهةً نحو جميع السكان (في سياق مجتمع منقسم طبقيًا)، فمن المرجح أن تتلقى عملياتها دعمًا مناسبًا من قبل الحكومة أكثر مما لو كانت تخدم فقط طبقتين هما  العاملة والمتوسطة فقط؛ يتجه تفكيري هنا بشكل خاص إلى نظام المدارس العامة والذي يفتقر – في المحليات حيث يتم تقديم الخدمات لأشخاص ذوي دخل منخفض، (وعادةً ذوي البشرة الملونة)، إلى الموارد بشكل روتيني؛ وخطر مماثل يهدد الآن خدمة البريد الأمريكي.

منهج الخدمة والمساءلة أمام الجميع هو منهج الاشتراكية؛ ونقطتي هي أن مزايا هذا المنهج كانت واضحة منذ فترة طويلة حتى في سياق رأسمالي آخر. إن منهج الاشتراكية يشكل – فعلاً – المكون الديموقراطي لظاهرة “الديمقراطية الرأسمالية” المشكوك فيها بشكل متزايد. يعتبر البعد الديمقراطي – ضمنيًا – اشتراكيًا، حيث اعتمدت إنجازاته على مبادرة ودعم الطبقة العاملة المنظمة، وكان عليها أن تواجه تحديات مستمرة تقودها الرأسمالية في شكل عمليات خصخصة وخفض ميزانية. من وجهة نظري، ستكون جودة الخدمات الشاملة مضمونة – بشكل أكثر موثوقية – ضمن إطار اشتراكي كامل.

مع كل ذلك، قد تتخذ الاستجابات الاشتراكية مجموعة متنوعة من الأشكال، ويبقى الجمع بين القرارات الإدارية من جهة والمبادرة الشعبية والمشاركة من جهة أخرى هو الجوهر. قد تُظهر القرارات السيادية نتائج أسرع من النهج الديمقراطي، لكنها تشجع على تركيز السلطة، والذي يمكن أن يؤثر على أداء الناس في مهامهم المباشرة، وأن يقود الهدف بعيد المدى لبناء مجتمع لا طبقي.

يمكنك الوصول إلى المقالة الأصلية من هنا

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط