انتخابات الائتلاف السوري وقضايا الإصلاح والشرعية

أحمد وديع العبسي

706

انتهت أول أمس انتخابات الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، الممثل الشرعي للشعب السوري والمعارضة السورية باعتراف 118 دولة في يومٍ ما منذ عشر سنوات ماضية

ونتج عن الانتخابات وصول السيد هادي البحرة إلى رئاسة الائتلاف، ووصول منافسه هيثم رحمة إلى الأمانة العامة، كما تمّ انتخاب نواب الرئيس والهيئة السياسية التي شهدت خروج أحد أبرز أعضائها للمرة الأولى وهو الدكتور نذير الحكيم.

سبق الانتخابات الكثير من الجدّل الإعلامي والثوري حول شرعية المؤسسة وطريقتها في الانتخابات، وأطلّ السيد نصر الحريري (رئيس سابق للائتلاف) وبعض أفراد فريقه القديم، على وسائل الإعلام ليشرحوا وجهة نظرهم، كما قاموا بنشر مجموعة من الرسائل والبيانات الرسمية على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي يدعون فيها لإصلاح آلية الانتخابات في المؤسسة، وتمّ التركيز على آلية التفويضات التي تقوّض حرية الاختيار، وتسهل من الإملاءات الخارجية بحسب تعابيرهم وبياناتهم.

قد لا يتفق معظم السوريين مع الآلية المتبعة في انتخابات الائتلاف، وغالباً لا يتفق السوريون على معظم أعضاء الائتلاف ولا على طريقة وصولهم من الأساس إلى المؤسسة التي من المفترض أنها تمثل الثورة والمعارضة، لذلك تبدو عملية الانتخاب تحصيل حاصل، ولكنها تزيد الفجوة والشرخ بين الثورة ومؤسساتها.

وفي هذا السياق أوّدُ توضيح عددٍ من النقاط التي قد تساعدنا جميعاً على فهم آلية عمل مؤسسة مثل الائتلاف، وآلية إصلاحها وإكسابها الشرعية، إن كان ذلك ممكناً!

  • في البداية لابدّ من توضيحٍ أساسي أعبّرُ فيه عن وجهة نظرٍ أتبناها حيال العمل السياسي في ظل الأزمات، وهي: إنني لا أؤمن بالانتخابات في ظل الثورات والأزمات وقد كتبت مقالاً منذ عامين تقريباً شرحت فيه أسباب ذلك، وأرى أن طبيعة الانتخابات في الأزمات لا يمكن أن تكون أجود ممّا هي عليه الآن لأسبابٍ كثيرة، أبرزها قوة التدخل الخارجي، والحاجة لدعمه.
  • الائتلاف يعمل في ظل دولةٍ داعمة للثورة، وهي الدولة الوحيدة التي تجمعها حدود مع الثوار، ولديها مصالح ومخاوف أمنية، لذلك من الطبيعي أن تتدخل في اختيارات المؤسسة الأهم لتمثيل المعارضة، فهي على تماسٍ مباشرٍ مع أي قرار تتخذه هذه المعارضة ومؤسساتها.
  • السياق الدولي له تدّخل أيضاً، لأن الشخصيات غير المقبولة دولياً ستعطل العمل بالملف السوري، الذي لا يحظى أصلاً بأولوية دولية، وإنّ وصول أيِّ شخصية إلى رئاسة الائتلاف يوجب عليها أن تكون على علاقات طيبة مع غالبية الدول ذات الأهمية والثقل في الملف السوري.
  • الائتلاف مؤسسة تم إنشاؤها دولياً من معارضين سابقين، غالبيتهم معروفين لدى المجتمع الدولي، ولم تنشأ عن انتخابات أو حراك ثوري داخلي، فهي تعمل ضمن توازنات دولية دقيقة، ولا يمكن إحداث اختراق في هذه المؤسسة إلا بالاستناد إلى تلك التوازنات
  • مؤسسات الثورة عموماً، هي مؤسسات عمل أكثر منها مؤسسات للتمثيل الشعبي، والطبيعي أن التوافقات فيها تتفوق على الانتخابات، فهي بحاجة للانسجام داخلياً ومع محيطها الخارجي لتستطيع تحقيق تقدّمٍ ما، ومن يستطيع الوصول إلى قيادتها في هذا الجو المعقّد هو من يستطيع العمل والإنجاز إن كان مخلصاً، وإن لم يكن كذلك، فلا تهمُّ طريقة وصوله
  • عندما لا تكون الانتخابات شعبية، فلن تكون شرعية داخل المؤسسة، لأن النجاح في الانتخابات الشعبية يتطلب تقديم المصالح للشعب، والنجاح في مؤسسة ما، يتطلب تقديم المصالح لأعضاء المؤسسة، مما يعني ضعفاً في العمل المستقبلي في مؤسسة تحتاج أصلاً إلى إصلاح، ومعظم أعضائها لا يمثلون توجهاً شعبياً كما أسلفنا قبل قليل.
  • إن عدم حدوث التوافق سيعني حدوث صراع، وتعطّلاً في الأداء الداخلي للمؤسسة، فضلاً عن الصراعات خارجها وحولها، خاصةً في بيئةٍ لم تعتد بعد على ممارسة الديمقراطية والقبول بنتائجها والدفاع عنها، مما يعني تراجعاً أكبر في العمل السياسي للمؤسسة.
  • إن عملية الإصلاح تحتاج إلى فهم واقع المؤسسة، وليس فرض رؤيتنا عليها، حتى لو كانت هذه المؤسسة (افتراضياً) ملكاً للسوريين، ولكننا لا نريد تدميرها إذا لم تكن كما نرغب، والإصلاح ينطلق من (الممكن) لا من (الواجب) وإلّا لتحوّل الإصلاح إلى صراع نريد فيه إقصاء الآخر بدلاً من تعديل السلوك العام للوصول إلى نتائج مفيدة.
  • الإصلاح يتمثل في تقديم رؤية تصلح لمرحلة الأزمة التي نمرّ بها، من حيث الاتفاق على مجلس قيادة يمتلك الخبرة والتجربة ويستطيع الوصول بالمجتمع السوري إلى برّ الأمان في ظل تعقيدٍ سياسي غير مسبوق ولا تنفع معه الحلول الثورية والارتجالية
  • والشرعية هي شرعية الإنجاز لا شرعية التمثيل، في ظل الأزمة والثورة، الشرعية للانتصار، لتحقيق تقدّم، لإخراج المعتقلين، للوصول إلى اي هدف من أهداف الثورة، كل هدف يتحقق وكل أزمة تنفرج تمثّل نسبة في سلّة الشرعية إن صح التعبير، أمّا الشرعية الشعبية فهي نتيجة ذلك كلّه، وليست سابقة عليه، والانتخابات تجري بعد النصر لا أثناء المعركة.
  • أنا لست معنياً بالدعوة لإلغاء الانتخابات في مؤسسات الثورة كلّياً، ولكن أدعو للتخفّف من الموقف تجاهها، فهي آليات معقولة في ظل هذه الظروف، وربّما الوصول إلى آليات أخرى يكون أكثر جدوى، ولكن حتى ذلك الوقت لا نريد أن نعيش في أوهامٍ من التمثيل والشرعية لم تستطع الكثير من الدول المستقرة التوصّل إليها، فكيف بمن يعيش أزمة مستمرةٍ منذ أكثر من عشر سنوات.
  • إن الثوار هم أهل الفوضى والصراخ والتعالي والمثالية، لا تصلح لهم مقامات السياسة والتفاوض، والإصلاح الذي سيوصل الثوار إلى القيادة اليوم، ربّما يكون تهوّراً تُكتب فيه نهاية القضية برمتها، خاصةً مع ضعف الخبرة وخواء التجربة، والأفضل أن نتجه لإصلاح المؤسسة لا لإعادة بنائها أو استبدالها، بحيث تجمع بين ما لدينا من خبراء السياسية ومن أصحاب النزق الثوري فيقوي بعضهم بعضاً، دون تخوينٍ أو بطولة مفتعلة لا طائل من ورائها.

في النهاية لا يليق بمن أمضى وقته في قيادة مؤسسات الثورة (الائتلاف وهيئة التفاوض) واستفاد منها ضمن تلك الآليات التي يجتهد اليوم في انتقادها، أن يدّعي أنه يريد الإصلاح، لأنه لو أراد ذلك لفعل أثناء فترة رئاسته، ولا يليق بالسوريين أن يكونوا عرضة للاستغلال العاطفي من أمثال هؤلاء، وعليهم أن يركزوا دائماً على العمل والنتائج لا على الطرق والآليات إلّا بمدى خدمتها لأهدافهم وتطلعاتهم.

إن العمل السياسي عموماً لا يصمد أمام الضعفاء أصحاب التحالفات الهشة، ولا يصلح له الوصوليون أصحاب المصالح الشخصية، ويحتاج قدراً كبيراً من الصبر أمام احتمالات الاتهام والتخوين، والتركيز على مصالح الناس والبلاد أهمُّ بكثير من التركيز على الشعارات والخطابات التي لا بطناً أشبعت ولا أراضٍ حررت ولا كرامةً حفظت.

والسلام …

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط