وحيُ اللقاء.. الدكتور عبد الكريم بكار أنموذجًا

صهيب طلال إنطكلي

1٬433

كان اللقاءُ اليوم في مدرج جامعة حلب في المناطق المحررة شيّقًا ومهيبًا يمتزجُ بلمسةِ حبٍّ وارتياحٍ وانبساطٍ بيّنة.
عندما تقرأ للكاتبِ كثيرًا ثمّ تلقاهُ عيانًا يكون للّقاء طعمٌ مختلفٌ؛ تمتزجُ فيه كلّ الأفكار النّيّرةِ التي قرأتَها بين دُفّتي كتبه مع جمالِ وصفاءِ مُحيّاه، كل ذلك مشفوعٌ بنبرة صوته الممزوجةِ بعلمٍ ومعرفةٍ كثيفَينِ؛ وخبرةٍ متراكمةٍ ربما لعقودٍ مديدة.

لستُ هنا في واردِ تلخيصِ ما ذكره الدكتور عبد الكريم في محاضرته، ولكنّي أحاولُ في كلماتي المعدودات أنْ أنقلَ جوّ اللقاءَ للقارئ الكريم بإحساسي ممزوجًا بمعلوماتٍ قيّمة ذكرها الدكتور.

اقرأ أيضاً: بشار الأسد يلغي محاكم الميدان العسكرية لتغطية جرائمه

ويكفيني دليلًا على دسامةِ اللقاء شهادةُ رئيس جامعة حلب د.عبد العزيز الدغيم الذي كان يديرُ اللقاءَ البديع، قال بعد صمتِ الدكتور : أنا عمري 65 عامًا واستفدتُ حقًّا من هذا اللقاء البديع! فما بالك بنا ونحن الذين نحبو على مدارجِ العلماء، عسى أن يعلّمنا ربُّ العباد.

أذكرُ بين قوسين من اللقاء، أذكر عالمًا كان كلّما استعصتْ عليه مسألةٌ لجأ لدعاءٍ حارٍّ بطعم الرجاء مردّدًا: (اللهم يا مَن فهَّمَ سليمانَ عليه السلام فهِّمني)، يبقى يردّدها حتّى يفهّمه تعالى، لقد استوحى هذا الدعاء من قوله تعالى (ففهَّمناها سليمان)، حين كان ووالده داوود عليهما السلام (يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ)، أدعوكم ونفسي بالإكثارِ من هذا الدّعاء.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب  اضغط هنا

نغلق القوسينِ ونعود إلى اللقاء البديع، وسأتركُ لذاكرتي الطازجة – فأنا أكتب عقب اللقاءِ مباشرة -، أترك لها نقل بعض عبارات الدكتور بكار مصحوبة بمشاعري؛ قال الدكتور:

إنّ الاستثمار في رياضِ الأطفال ما بعدَه استثمار، قال: إنّ الطفل يتعلم أغلب القيمِ وتترسّخُ في روحه حتّى السادسة من عمره، فإما أن يكون مرتبًا أو لا، وإمَّا مبادرًا أو لا، وإما نظيفًا أو لا وقِس على ذلك، كان الدكتور يسترسلُ في الفكرة وأنا أستشعر غيابها الكلّي ربما عن عقولنا ونحن نربي أطفالنا الصغار.

واستغرب الدكتور منّا حينما رآنا بمعظمنا بيدَينِ فارغتينِ، لا ورقة ولا قلم ولا تدوين، قال: ربما بعد اللقاء تتناسى معظمه، ثم رويدًا رويدًا يتلاشى العلمُ ليختفيَ، قال الإمام الشافعي رحمه الله:

العلم صَيْــدٌ والكتابة قيدُه *** قَـيــِّدْ صيودَكَ بالحبالِ الواثقة
فمن الحماقةِ أن تصيدَ غزالةً *** وتردُّها بين الخلائقِ طالقة

فهي دعوة لتقييد الصيود المعرفيّة البديعة.
ودعا الدكتور الشباب أن يعرفوا شيئًا عن كلّ شيءٍ وأن يعرفوا كلّ شيءٍ عن شيءٍ ما، هي دعوة لأن تكون مبدعًا في مجالٍ تُؤتى إليه، وتُقصد به دون غيرك.

تحدث الدكتور عن العاطفة والعقل وكيف أن الإنسان كائنٌ عاطفيٌّ بفطرته، فكلّ الناس تمتلك مشاعر وأحاسيسَ وليس كلهم يمتلك علمًا قيّمًا وعقلًا راجحًا، وركزّ الدكتور على ضرورة تغليب العقل أوّلًا، فالعاطفة تكون دافعةً في التنفيذ أما أصلُ القرارِ عقلٌ.

وبيّن لنا الدكتور طريق الشّخصيّة المتوازنة، قال: عليكَ أنْ تفعلَ بعضَ ما تكره، وألَّا تفعلَ بعضَ ما تحبُّ، مثلًا أنا يشقُّ عليّ القيامُ مِن الليل فأقومُ، وأحبّ أن أرتاح مديدًا فأنصبَ ولا أتبعُ نفسي هواها.

هذا بعضُ الجمالِ الذي عشتُه جالسًا بين يدَي قامةٍ علميةٍ إسلاميةٍ عالمية، رجلٌ آثارُه تنبيكَ عن أخباره، تجاوز الدكتور بكّار السبعين عامًا، قضى معظمها مؤلّفًا مبدعًا لعشرات الكتب في مجالات عديدة على رأسها التّربية وبناء الجيلِ والأمة، قال تعالى: (ونكتبُ ما قدّموا وآثارَهم وكلّ شيءٍ أحصيناهُ في إمامٍ مبينٍ)، لقد كنتُ اليوم في لقاءٍ مع مبدعٍ يُكتَب ما يقدّم حثيثًا وآثاره البديعة تتضوجُ في العالم الإسلامي تأبى إلا الوجود.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط