التنمية كحالة أجنباوية

أحمد وديع العبسي

0 1٬460

يبدو العنوان مضحكًا في مزيجه بين الفصحى والعامية، لكن حالته تشبه إلى حدٍّ كبير حالة مفاهيم التنمية وتطوير الذات، وعلوم الإدارة العظيمة التي ينتشر المتخصصون في مجالاتها كالذباب بعد خضوعهم لدورات تخصصية ذات قيمة عالية لمدة قد تتجاوز 1200 دقيقة بما في ذلك الغداء والاستراحات، والتي تعدُّ الأكثر قيمة بالنسية لما يُقدم في هذه الدورات.

طبعًا معظم من يخضعون لهذه الدورات ذات الدقائق الألفية، يصبحون مدربين في مجالاتها مباشرة بعد انتهاء الدورة الطويلة والمعمقة، فالمدربون الأساسيون فيها ليسوا أفضل حالاً بشكل عام، لأن المطلوب هو الاستهلاك بشكل أساسي، لذلك يبدو الغداء و(الكافي بريك) هو أفضل ما يتم تقديمه، وأكثر ما يمكن أن يُقدِم استفادة للمشاركين الذين يعودون بعقول جائعة، لكن ببطون ممتلئة ونفوس راضية، وهذا هو الأكثر أهمية، أن يكون المشترك راضيًا عمّا قُدِّم له.

الملفت للنظر أن الموضة بدأت تتطور في هذا المجال الذي تم انتهاكه كأحد أبرز ضحايا الحرب والثورة على الإطلاق، ويعتبر أبرز مسارح الجريمة المنظمة في الشرق عموماً وفي البلاد التي تعاني من حروب بشكل خاص كحال بلادنا.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا 

ما كان قديمًا يستند إلى المصطلحات الرنانة كالتنمية وتطوير الذات والإدارة في الأزمات والتفكير النقدي والعادات السبع والعادة التاسعة، وغيرها من (العت، والهبد) المنتشر كتدريبات صاروخية، أصبح يقدم بطريقة أكثر (احترافية) عن طريق استخدام بعض المصطلحات الأجنبية اللمّيعة، ونسبها إلى دول متقدمة تجعل المدرب يبدو أكثر فهمًا لما يثرثر به، وتجعل المشارك متشوق لبروظة سيرته الذاتية بتلك الدورة التي بالكاد يستطيع قراءة اسمها باللغة الأنجليزية.

فبدلاً من المارد التقليدي الذي خرج من داخلك وساح في الشوارع بلا فائدة، يمكنك في دورات اليوم أن تُخرج التنين أو الديناصور الصيني الرصين والمخيف، والذي يعلمك مبدأ الإدارة بالجدارة، أو الإدارة الحازمة في ثلاث ساعات ونصف أو ثلاثة أيام إذا أردتها احترافية، كذلك يمكنك تعلم سيكولوجيا النقد، بدلاً من التفكير النقدي، والكاياهاتي الياباني، والسوكو سوكو الإسبانية، ومبادئ الإدارة البرازيلية، والتجربة الماليزية، وأسس التغيير على الطريقة الألمانية، والكثير من صف الحكي الذي لم يختلف عن العلاك الماضي إلا بدورته المصطلحية.

اقرأ أيضاً: الباب عطشى.. حملة للمطالبة بتوفير المياه لأكثر من 300 ألف نسمة

والمشكلة الأكثر تأثيراً هنا هي بتعاطي الصحة النفسية ومرادفاتها كحشيش في تلك المناطق، كون الشعب مأزوم وفي حالة حرب، فلا بدّ من فرد مصطلحات الصحة النفسية والعلاج النفسي والدورات المتعلقة بها وخبراء هذه الدورات العظيمة في كل الميادين والمجالات!! ومقولتهم الكبيرة هنا: “أنت مريض إلى أن تثبت العكس”، ولا يمكنك إثبات العكس إلا إذا مثلت دور المريض الذي تماثل للشفاء على أيديهم.

فمن غير المعقول أن تكون جزءًا من شعب يعاني ويلات الحرب وأنت لا تعاني آثار نفسية، إلا إذا كنت مجنونًا!! وبالتالي فقد تأزمت حالتك أكثر يا صديقي.

وفي هذا المجال لا يتم استعمال المصطلحات الأجنبية فحسب، بل أيضًا الوصفات كما جاءت في الكتب، وكأن نفسيات الشعوب متشابهة وآلية، وهي ذات ردود فعل حتمية!!!

وأخيرًا (الشهادة) الشهادة هي أهم شيء في هذه الدوامة، لابدّ من شهادات .. وإلا فسينقرض الديناصور في داخلك، وعلى التنمية السلام.

المدير العام | أحمد وديع العبسي

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط