التعليم في الشمال السوري.. استبداد وعنف وطغيان!!

أحمد وديع العبسي

0 1٬885

 

حاولت في المقالة السابقة أن أسلّط الضوء بشكل عام على مشكلة التعليم في الشمال السوري؛ لأنها مشكلة قديمة يجب معالجتها بشكل جذري دون التركيز على الحوادث الطارئة، لكنَّ ما فعلته بعض المجالس المحلية كمجلسي (الباب، وقباسين) في ردودها على اعتصام المعلمين، يشرح بعض الأمور والمشاكل العميقة التي لا بدّ من توضيحها من أجل وضع النقاط على الحروف كما تقول الجملة شديدة الابتذال، والتي تشبه ابتذال وسخف الطريقة التي تعاملت بها هذه المجالس في مواجهة مشكلة حقيقية تمسّ المجتمع ومستقبله، فما كان مجرد خيبات في المقال السابق، أصبح عنفًا وجريمة ينبغي التوقف عندها مطولاً.

أول تلك المشاكل العقلية الاستبدادية القائمة على العنف والتهديد والإرهاب، التي تتعامل بها المجالس المحلية مع المواطنين كأنها فرع أمن خارج القانون وليست مجلس خدمي، هي استنساخ لتجربة نظام الأسد الذي قامت الثورة ضده.

المشكلة الثانية هي عقلية التسلط التي تجعل المجلس المحلي يتصرف بطريقة كهذه دون أن يخشى المحاسبة أو تعرضه للإقالة، وبالتالي فهو يعلم أنه لا يمثل الناس وسلطته تكون بقهرهم لا بالاستماع إليهم.

المشكلة الثالثة وهي استخدام حقوق الشعب لمحاربة الشعب، وهو أسلوب خبيث يحتاج زمنًا طويلاً في الاستبداد، لكن يبدو أن مؤسسات اليوم هي وريثة مؤسسات النظام ولديها البراعة نفسها في جعل الشعب يكره بعضه ويضرب بعضه، عندما يُوضع حق تعليم الأطفال في مواجهة مطالب المعلمين المحقّة لكي يظهر المعلمون كأشخاص بدون إنسانية وبعيدين عن الهمّ الوطني، الذي يأكل أرواحهم بسبب منتسبي هذه المجالس التعيسة.

المشكلة الرابعة هي اتباع سياسة التجويع، عندما يعلم المجلس أن ما يقدمه من رواتب للمعلمين لا تكفيهم من الأساس، ولا تسد رمق أطفالهم، فيستخدم هذا الفتات ليهددهم من أجل العودة عن الاعتصام، وإلا سيتم فصلهم ورميهم في الشوارع؛ لأنهم تجرؤوا وطالبوا بحقوقهم باستخدام أحد أخبث وأبشع أساليب الطغيان والفساد والاستبداد واللاإنسانية، التي لا تستخدمها عادةً إلا الأنظمة القمعية المجرمة، المجردة عن القيم والأخلاق.

المشكلة الخامسة هي العقلية التي لا تقبل الاستماع لوسائل الاحتجاج السلمي، كالاعتصامات والاحتجاجات في منطقة هي نتاج ثورة سلمية في بداياتها وشعاراتها، ولم تلجأ للعنف إلا للدفاع عن نفسها، وليس كأسلوب حياة كما تفعل هذه المجالس.

المشكلة الأخيرة تتبع حسن النية، وهي حاجة هذا المجتمع والقائمين عليه إلى تعليم جديد، يحول دون إعادة انتاج مثل هذه النماذج من منتسبي المجالس، التي تعبد القوة والسلطة وتتصرف مع الشعب باستعلاء واستبداد واستقواء خارجي وداخلي.

أخيرًا: للأسف هذه ليست المرة الأولى التي يتم التصرف بها بهذا الأسلوب، لكن ربما تكون هي الأكثر فجاجة وتسلّطًا، خاصة وهي تواجه نطالب محقّة من أناس هم أمناء على المجتمع وعلى الأطفال وهم أكثر من يستحق أن نقف إلى جانبهم.

التعليم والمعلمون لا يمكن أن تتم مجابهتهم بهذه الأساليب، وإلا فإننا نحتاج ثورات جديدة تُقتلع فيها هذه العقلية وأصحابها إلى الأبد مهما كان الثمن ومهما بلغت التضحيات.

 

 

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط