الجنس كقضية إعلامية

أحمد وديع العبسي

0 2٬414

 

يبدو عنوان (الرعشة الجنسية) بالغ الأهمية لوسائل إعلام في بلاد تسحقها الحرب والأزمات المعيشية، وتطوف الدماء كل يوم فيها كفاتورة كبيرة للخراب!!.

ليس مستغربًا تمامًا هذا العنوان، فممارسة الجنس تبدو صعبة جدًا في أجواء كهذه، ولا بدّ للإعلام من تقديم نصائح تساعد على الوصول للرضى الجنسي في ظل الخوف والقهر وعدم الرغبة في الحياة!، فالحفاظ على استمرار النوع السوري مهم جدًا في الفترة المقبلة.

طبعًا وفي ظل حياة غير سوية في كافة المقاييس فلا بدّ لذات الإعلام أن يهتم بقضايا الشذوذ في هذا المجتمع!!! وعلاج هذا الخوف من الشذوذ، لأنه حالة طبيعية في بلاد يأكلها الموت، فلم يعد هناك من الأنواع البشرية ما يكفي لممارسة الجنس بطريقة سوية، لذلك لابدّ من التوعية بخصوص اللواط أو السحاق عندما لا يتوفر النوع الآخر.

ومن أجل حل الإشكالية السابقة تطالعنا وسيلة إعلام أخرى بالحلول الممكنة من أجل التعامل مع اشتهاء تغيير الجنس، من أجل أن يكون الشذوذ أكثر منطقية وعقلانية!!!

نعم.. بكل هذه الصفاقة والخزي يتحدث الإعلام الذي لا شغل له وسط كل ما يعانيه الناس إلا البحث في الجنس كقضية أساسية ومعقدة، وسط الكثير من القضايا الأخرى الأقل أهمية، حتى وإن كان الموت فاتورة بعض هذه القضايا.

يبدو أن حديث إعلام النظام عن تكاثر أنثى البطريق تحت وطأة الحرب والدماء والفقر، هي فكرة يُعاد إنتاجها بشكل أكثر قبحًا وفجاجة في وسائل إعلام ما بعد 2011.

قديماً قالت العرب تموت الحرة ولا تأكل بثدييها، ولكن يبدو أن الفلتان الذي تتبعه بعض وسائل الإعلام باسم الحرية، لم يترك للقيم الأخلاقية ولا للإنسانية أي مكان في المهنية المطلوبة، ناهيكم عن اعتبار الانتماء للعروبة وقيمها إحدى نواقص العصر، فالانتماء صار نقيصة في هذه الأيام، وصار هم الإعلام فقط أن يأكل، سواء بأخلاقه أو بشرفه، لا فرق، المهم إرضاء من يدفع وإشعاره بالمتعة والنشوة!

ليست فرصة لـ (حبر) لتنال من الآخرين، حتى لا يحاول أي أحد الاصطياد في كومة القذارة هذه، ولا يعني صحيفة حبر كثيرًا أن تنافس بهذه الطريقة المخزية، لكن المستوى الكبير من الدونية والصفاقة والانبطاح للداعمين الذي حملته الكثير من العناوين المشابهة على بعض وسائل الإعلام المحسوبة على الثورة والمعارضة والحرية، تدفعنا مرغمين للحديث عنها وطرح التساؤلات حولها، (فهي على أقل تقدير أصبحت مادة للإعلام) من حق أي وسيلة إعلامية أن تتناولها وتتحدث عنها سواء بسخرية واستحقار لهذه الجزئية، أو بعدّها حرية إعلامية في ظل ظروف كالتي يعيشها السوريون لم يتبقَ فيها مواضيع إلا الجنس والشذوذ الجنسي للحديث عنه في بعض وسائل الإعلام.

من المهم هنا أن نشير إلى أننا لا ننقد الوسيلة الإعلامية بشكل كامل، ونحترم جهود كل وسائل الإعلام في إيصال الحقيقة وتغطية قضايا السوريين، لكننا ننتقد وبشدة هذا الإسفاف الإعلامي، وطرح موضوعات لا تنتمي ولا بأي شكل لثقافة الشعب السوري، ولا مرجعياته، ولا سلوكياته، فقط من أجل إرضاء الممول، وأكثر من ذلك الترويج الوقح لهذه الموضوعات وتصويرها بطريقة إيجابية من أجل مكاسب سخيفة، وهي موضوعات لا أخلاقية ولا إنسانية ولن تجعلها عولمة الثقافة العالمية المنحطة في أيامنا هذه، ذات قيمة، بل ستبقى موضوعات بمنتهى القذارة والخسة، هي ومن يروج لها …

نتمنى أن تتعذر هذه الوسائل عن سقطاتها، وأن تصرف جهدها في الكثير من الموضوعات المهمة التي يحتاج السوريون لتسليط الضوء عليها، أكثر من ممارسة الجنس والشذوذ الجنسي.

 

 

 

المدير العام  | أحمد وديع العبسي

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط