انتخابات الرئاسية السّوريّة بلغة الأرقام والجغرافيا

علاء العلي

0 1٬871

 

يطلّ نظام الأسد من جديد متصدّرًا المشهد السّياسيّ في البلاد، ومدوّنًا في مشاهده أقبح سلوكيّات الأنظمة الشّموليّة المستبدّة، حيث قرر يوم الأربعاء 27 مايو 2021 افتتاح مراكز أشبه ما تكون بمسارح التّمثيليّة التي سيرتادها الكومبارس، ليؤدّوا دورهم المواكب لدوره المنوط به وبنظامه السّياسيّ والأمنيّ، لتخرج نتيجة تلك الانتخابات في اليوم التالي كالعادة بنسبة 95،1!!

لكنّ واقعًا بشريًّا وجغرافيًّا جديدًا يفرض نفسه على سير المسرحيّة، فقسم كبير من جمهوره السابق قد أفلت منه، بعد حرب شرسة هجّرتهم، إذ أكثر من 60% من السّكان الأصليّين قد تمّ استبعادهم وفق ما خلصت له مراكز الدّراسات، توزّعت نسبتهم بين نزوح داخليّ نحو مناطق ما زالت خارجة عن قبضته الأمنيّة والإداريّة، وقسم آخر توزّع في أكثر من 45 بلدًا من العالم بنسب متنوّعة، وكلّ هؤلاء حملوا العداء له نحو موطنهن الجديد.

اقرأ أيضاً: خلال أسبوعين فقط عشر ضحايا في حوادث الغرق بالمناطق المحررة

في نظرة عن قرب للجغرافيا السّوريّة بعد أعوام الحرب المنصرمة، سنجد بأنّ الواقع الجيوسياسي قد تمزّق إلى ثلاث مناطق، لكلّ منها ميزات من حيث الوجود والسّيطرة الدّولية والشّريك السّوري على الأرض، فالشّمال السّوريّ ومناطق قسد ومناطق سيطرة نظام الأسد، أفرزت كل منها مواقف مؤثّرة بشكل فعّال في مسرحيّة الانتخابات.

 

قوّات سورية الدّيمقراطيّة التي أعلنت بشكل صريح عن رفضها لأيّ أنشطة يقوم بها نظام الأسد لتمرير لعبته السّياسيّة على أراضيها بدعوى المخالفة للقرارات الدّوليّة المتناقضة مع هذه العمليّة، قامت أيضًا بإغلاق كافّة المعابر البرّية لمنع أي تنقّلات للأفراد الخاضعين لفوبيا إعلام النظام، لتعود لتفتحه في اليوم التالي بعد انقضاء فترة التّصويت، رفض يأتي متّسقًا مع دعوات الولايات المتّحدة ودول التّحالف لرفض هذه العمليّة جملة وتفصيلاً.

 

الشّمال السّوري الذي عمّت مدنه وبلداته التّظاهرات المندّدة بالأسد، فسكانها ممّن هجّرهم واحتل أراضيهم، فلا يمكن بأيّ حال أن يمرّروا هذه العمليّة، وإغلاق المعابر بين مناطق درع الرّبيع والفرات وغصن الزيتون ونبع السلام معه حرم نظام الأسد من توجيه إعلامه لاستقطاب بعض مريديه، وهذا أضعف بشكل كبير نسبة التّصويت.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

وحدها مناطق النّظام التي تخضع للسّطوة الأمنية والعسكرية هي المستهدفة تحت بسطار العسكر وتهديد السّلاح، بظروف تنتفي فيها الحيادية وحرية الاختيار فلا بيئة آمنة ولا إعلام محايد، بل سياسة قطيع، ولا مكان للرأي الآخر، فالرّأي المخالف معتقل في سجون النّظام، آلاف المعتقلين محرومون من التّعبير عن رأيهم لمجرّد شبهة المعارضة، فهؤلاء محجوب عنهم هذا الصّندوق!

 

وبالرّغم من النّسبة الكبيرة المحرومة من هذا الاستحقاق، إلا أن التّعاطي الرّسمي العربيّ يتماهى مع هذه المهزلة، الدّعم الواضح الذي يتلقّاه نظام دمشق يدخل في محاولات إعادة تعويم رأس النظام، وإعادة تدويره من جديد ، ضاربين بعرض الحائط عذابات السّوريين المهجّرين نحو هذه البلدان ، فديمقراطيّة هؤلاء لم تخرج إلا من المشكاة نفسها، مع فارق عدد شهود الزّور، إلا أن المسرحيّة السّورية أصابت الإنسانية في مقتلها، وفسخت عقود السّياسة المجتمعيّة لتترك تشريعات الغابة تعلو فوق كل صوت!

 

أيا من هذه الخطوات لن تفلح في تقديم شرعيّة لرأس النّظام، فلا يمكن أن يقدم أقلّ من نصف الشّعب شرعية لشخص، فضلاً عن محدوديّة الجغرافيا السّوريّة التي أنجزت فوقها هذه المسرحيّة، أضف لذلك الدّعوات القضائيّة الموجّهة ضده في المحاكم الدّوليّة بسبب جرائم الإبادة والكيماوي التي ارتكبها ضد السّوريين لن يفلت منها، والّلجم الأمريكيّ للأنظمة العربيّة بات تحذيرًا شبه يومي بعدم المضيّ بأي خطوة من شأنها إضفاء شرعيّة زائفة لمجرم حرب.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط