بين يدي عامٍ دراسيٍّ جديدٍ

أنس جمعة حشيشو

1٬016

بدأ عامٌ دراسي جديدٌ، وفُتحت أبواب العلم والخير لأبنائنا وبناتنا، فنزلوا تحت قوله r: «‌مَنْ ‌سَلَكَ ‌طَرِيقًا ‌يَلْتَمِسُ ‌فِيهِ ‌عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ»، وفي هذا المقام أودّ أن أقدم بعض الرسائل الضرورية، ليكون الطريق يسيراً بين يدي عام دراسي جديد …

الرسالة الأولى، للآباء:

إن تأمين الطعام والشراب وإعداد المسكن وتأمين اللباس، وتأمين الحقائب والدفاتر والقرطاسية، مهمة شاقة وضرورية، ولكنها لا تمثل منفردةً معالم التربية والعناية، وإنما لابدَّ من عموم الرعاية التي تشتمل على بناءٌ عقديٌّ متينٌ، وتأسيسٌ فكريٌّ متوازنٌ، وتشكيلٌ لشخصيةٍ فاعلةٍ،
وتحصينٌ نفسيٌّ ثابتٌ. حتى ينشأ الأولاد نشأةً سليمةً متعافيةً، ناضجةً بالعلم والفهم والفكر والإدراك والمعرفة. ولا نصل بأولادنا إلى حال المعتصم بالله ابن هارون الرشيد، الذي قال: أضرّنا حبّ هارون في القصة الشهيرة، وخلاصتها أن المعتصم لم يَدرس في الكُتّاب كأخويه الأمين والمأمون، بسبب عطف والده عليه من قسوة المعلمين، وفي كِبره كان يلْحن في الكلام (يخطئ في اللغة عندما يخاطب الناس)، وهذا كان أمراً معيباً في زمانه، فيرد اللوم على أبيه هارون الرشيد؛ فيقول: “أضر بنا حبُّ هارون!”.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

فرغم توفر أسباب السعادة والسيادة، شعر المعتصم بما جرّه عليه (دلال) والده من ضعف في النطق ولحن في القول، كان أحوج ما يكون إليه وهو سيد قومه.

كثيرٌ مِن المنع عطاءٌ، لكنكم تستعجلون الرّحمة بدافع المحبّة والإشفاق، فتهدمون بُنيان أطفالكم، وتنقضون غزلكم، وتُميتون زرعكم.

وتعليم الأطفال ورفع الجهل عنهم واجبٌ علينا، وهو خير سلاحٍ يعينهم على وعورة الطريق ومشقة الحياة وتحدياتها، فإذا أردت أن يكون لأولادك شأنٌ؛ فلا يضرك أن تشدّ عليهم في الصِغر، أو أن تُلزمهم بما ينفعهم في الكِبر، وإن تعرضوا لبعض القسوة أحياناً.

ولعله في هذا المقام لا بد من التأكيد على ضرورة حفظ العلاقة مع القرآن وحلقات تعليمه، فتعليم القرآن ينير الذهن ويطلق اللسان ويشرح الصدر، علموا أولادكم أننا ما وجدنا تفوّقًا ولا توفيقًا ولا نجاحًا ولا تيسيرًا ولا شرفًا إلّا ببركة القرآن الكريم

 

الرسالة الثانية، للمعلم:

المعلم أمام فرصةٍ عظيمةٍ لبناء أداة النهضة وهو يعدّ أحد أهم أسس علاج المجتمعات ورقيّها، خلال عام كامل يجب أن يعمل المعلم على استثمار الوقت والفرصة بغرس القَناعات الحميدة والفكر السليم ومكارم الأخلاق والعلم النافع والقيم النبيلة، ليترك أثراً جميلاً في الدنيا يكون سببًا في نهضة أمته، وتذَكّره الأجيال بكل خيرٍ، فهو مَن رسم لهم بوصلة الحق والنجاح، وكان أساساً في تفوقهم.

فالمعلم يحمل ميراث الأنبياء بأمانة وإخلاص، ليوصل رسالة المعرفة إلى المتعلمين جيلاً بعد آخر، ويستحق تلك المرتبة العظيمة التي ذكرها رسول الله r عندما قال: «إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ».

وإذا كان حال المعلم مليئاً بالجهد والتعب وضيق الحال ونكران المجتمع، فلا أقول له: أصبر على هذا الواقع، بل أقول: ساهم في تغييره، وكن أول مَن يؤسس لجيلٍ ومجتمعٍ يأخذ فيه المعلم حقه ومكانته بشكل صحيح، كن أول مَن يضع لبنة في بناء جيل التمكين الذي سيُحدث فرقًا في المجتمع، ليكون أساس الإصلاح والعمران والنهضة.

أخيراً: استعن بالله ولا تعجز، واحمل الهم، وساهم في إصلاح الأوضاع ضمن الوسع والمتاح، فأنت في مقام تكليفٍ، ولن تنال منه التشريف حتى تمام التكليف.

الرسالة الثالثة، للأبناء والبنات

زهرة الفؤاد وريحانة قلوب آبائكم وأمهاتكم: أقول لكم ما قاله لنا سلفنا الصالح: إذا أردتم الدنيا فعليكم بالعلم.. وإذا أردتم الآخرة فعليكم بالعلم.. وإذا أردتموهما معًا فعليكم بالعلم.. فالله تعالى أخبركم في محكم تنزيله: ﴿‌يَرْفَعِ ‌اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: 11]، فهنيئًا لمن ارتقى في رضا الرحمن وثابر وحصّل مِن العلوم أشرفها، وعلِم أنّ الدنيا لا تعمّر إلا بالعمل؛ فصابَر وصبر، وعلِم أنّ الأجر على قدر العناء والمشقّة.

والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلّك، فإن أعطيته بعضك لم يعطك شيئًا.

خلقنا الله بين عِلمين، ﴿الرَّحْمَنُ * ‌عَلَّمَ ‌الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ [الرحمن: 1-4]، فاعلم يا بنيّ أنه مَن لم يتعلم لم يعرف معنى خلقه وسبب وجوده في هذه الدنيا.

وختامها..

رسالةٌ إلى المجتمع:

ثقافة تسمين العجول لن تحلّ المشكلة، وتأمين الطعام والغذاء وتعزيز واقع الاتكالية لأفراد مجتمعنا لا يزيد المشكلة إلا تعقيدًا، اعتنوا بالمدارس والمحاضن التربوية، أعطوا المعلم حقّه مِن التقدير والاحترام والكفاية، فهو مَن يحمل عنكم عبئ التأهيل وهمّ التربية والبناء، فلن تُبنى الأوطان إلّا ببناء الإنسان، ولن تُعالج أمراض المجتمع إلا برفع الجهل وتحصين العقول، لا معدّل الجريمة ولا نسبة تعاطي المخدرات ولا بطالة الشباب ستنخفض، ولا حتى الانحرافات الفكرية والغلو العقدي سيموت؛ إلّا بالعلم، لن يحصل التراحم ويُعاد التناغم بين النسيج المجتمعي ويحقق التكافل الاجتماعي إلا باستشعار أهمية المحاضن التربوية، فهي خير معينٍ لإحداث حالة وعيٍ يقلّل مِن الأحقاد ويحدث حالة تناغمٍ بين الأفراد ويستثمر التنوّع في الطاقات، فتزدهر به جنبات المجتمع، وتنتقل مِن حالة العوز وطلب العون إلى طور التعافي الذاتي، فهي البركة بأهلها وأرضها، استعينوا بطاقات بعضكم لنُرجع كلّ أولادنا للمدارس، ونؤهلهم تأهيلًا قيمياً؛ يستشعرون مِن خلاله بمسؤوليتهم تجاه مجتمعهم ودينهم وأمتهم وبلادهم.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط