عصر البلوغر

المعتصم الخالدي

0 1٬048

المعتصم الخالدي

يقول المفكر العالمي المخضرم نعوم تشومسكي: “من إستراتيجيات التحكم في الشعوب تشجيع الشعب على استحسان الرداءة، وتشجيع الشعب على أن يجد من الرائع أن يكون غبيًا، همجيًا وجاهلاً.”

وأن يكون بمقدوره فقط صناعة نظام للتفاهة يسيطر على المجتمع، ويروِّج لأفكار تافهة وأساليب حياة سمجة ومتكلفة، وأن يفهم الكسل على أنه راحة، والخيانة على أنها ذكاء، وتفكيك المجتمع على أنه جزء من فلسفة الحريات، ولم يكن ينقص العرب وأمتهم سوى جيش التافهين الذي اجتاح السوشيال ميديا، وبدأ يعيث فسادًا وينشر تفاهته بين المواقع ويغذي عقل الشباب العربي بتلك الأنماط السطحية لمفاهيم الحياة، ويغرق أدمغتهم بماديات تافهة هدفها صناعة نظام للتفاهة يتفوق على قيم ومبادئ المجتمع، وضرب تلك القيم جزء أساسي لتمرير أي مشروع ثقافي جديد يهدف بالدرجة الأولى لتمييع دور الأسرة التي هي نواة المجتمع، وبالتالي انحلال المجتمع أخلاقيًا وعلميًا، ممَّا يؤدي إلى بث أفكار ومصطلحات جديدة وقيم جديدة وجعل ما هو غير طبيعي طبيعيًا ومستساغًا ومقبولاً، وهذا ما حذَّر منه تشومسكي دائمًا في محاضراته وكتاباته.

اقرأ أيضاً: ارتدادات الزلزال الأفغاني على دول آسيا الوسطى

ونحن نعيش عصر البلوغرز واليوتيوبرز على انستغرام ويوتيوب وسناب شات وغيرها، وهم يغرقون تلك المواقع بتفاصيل حياتهم السخيفة وأحاديثهم المملة التي لا تمنحنا أي فائدة ولا تقدم ولا تأخر، عليك هنا أن تقف لتتساءل من أين جاء كل هؤلاء التافهين؟! كيف خرج هذا الجيل بهذه الصورة، وعلى أي قيم يا ترى تربَّى ذلك الجيل الواهم والعاشق للماديات والغارق بنظم التفاهة وأساليبها؟!

يرى مؤلف كتاب (نظام التفاهة) آلان دونو أستاذ الفلسفة في جامعة كيبيك الكندية، بأننا “نعيش في عصر صعود الرداءة والانحطاط مع سيادة نظام أدّى تدريجيًا إلى سيطرة التافهين على جميع مفاصل الدولة الحديثة”.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا 

الأخطر من ذلك بأن هذا الكتاب يتحدث وبشكل تكثيفي عن مدى خطورة تعميم أشياء خارجة عن المألوف لتبدو طبيعية، ومحاولة تجميل الأمور التي تعدُّ خارج إطار الطبيعة، وهذا ما يحدث بشكل جلي اليوم، فمن  تلميع الساقط والتافه ليصبح نجمًا عظيمًا لا يشق له غبار، إلى جعل القاتل والمستبد بطلاً يصل حدَّ القداسة أحيانًا، والفاسد إلى مسيح مخلص ومنقذ للبشرية، والعنصري إلى ملاك بريء والكاتب الساذج لكاتب عظيم يستحق نوبل عشر مرات متتالية، والشاعر السخيف لشاعر كبير يجوب العواصم الكبرى ويقف على منابرها، والساسة إلى دعاة للسلام ونشطاء حقوق الإنسان إلى ملائكة أبرار إن اقتضت الحاجة، وعلى ذلك يحكم الكون نظام تفاهة جديد، ويصبح عصرنا عصر البلوغر والفاينشستا، وتصبغ المجتمعات بكل ما هو رديء وساذج، وفي الحقيقة بعيد كل البعد عن الحداثة أو التطوير على مستوى المجتمع والفرد والإنسان.

إن التافهين قد حسموا المعركة لمصلحتهم في هذه الأيام، لقد تغيَّر الزمن زمن الحق والقيم، ذلك أن التافهين أمسكوا بكل شيء بكل تفاهتهم وفسادهم.

فعند غياب القيم والمبادئ الراقية يطفو الفساد المبرمج ذوقًا وأخلاقًا وقيمًا، إنه زمن الصعاليك الهابط.

وكما يقول آلان دونو: “مواقع التواصل نجحت في ترميز التافهين، أي تحويلهم إلى رموز، حيث صار بإمكان أي جميلة بلهاء، أو وسيم فارغ أن يفرضوا أنفسهم على المشاهدين، عبر عدة منصات تلفزيونية عامة، هي أغلبها منصات هُلامية وغير منتجة.”

لا تخرج لنا بأي منتج قيمي يصلح لتحدي الزمان.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط