فتح عظيم… حقوق وامتيازات

ياسمين الحايك

394

من يقرأ السيرة النبوية ويحلل أحداثها يدرك تماما ما منحه الإسلام للمرأة من حقوق وامتيازات من لحظات الغار الأولى وحتى وفاته عليه الصلاة والسلام… هذه الحقوق نالتها المرأة خلال ثلاثة وعشرين سنة، في عهد أعدل تشريع وأكرم رسول، على عكس المرأة الغربية التي ناضلت وحاربت وخسرت الكثير وهي تطالب بأبسط الحقوق، بعضها نالته بعد مشوار طويل من الصراع مع المجتمع والحكومة والسلطة وبعضها مازالت للآن تناشد وتناضل للحصول عليها

إن من أعظم الأحداث في السيرة النبوية هو يوم الفتح (فتح مكة)، فهل كان لها دور فيه؟ وما الذي ساهمت به المرأة في هذا اليوم المبارك؟

إذا تتبعنا الأحداث من لحظة قدوم أبو سفيان إلى المدينة المنورة محاولاً منع الرسول من القدوم إلى مكة انتقاماً لخزاعة ومحاولاً التفاوض معه على تمديد الهدنة وتجديد العهد فأول من زاره أبو سفيان هي ابنته أم حبيبة زوجة رسول الله متأملا أن تمهد الطريق لأبيها حتى يكلم رسول الله وتتوسط له عنده ولكن موقف السيدة أم حبيبة كان صادماً لأبيها فقد كان متوقعاً منها أن تستقبله استقبالاً حافلاً كيف لا وهي لم تره منذ 16 عاما؟ حيث  أنها كانت من أوائل المهاجرات للحبشة وبعدها عادت للمدينة بعدما خطبها النبي من النجاشي.

 فكيف كان ردها؟

قامت بطي فراش النبي ومنعته من الجلوس عليه وقالت بنبرة حادة: “هو فراش النبي وأنت مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراشه”. موقفها هذا كان بسبب الانتهاك الذي قامت به قريش بدعمها لبني بكر ونقص أحد بنود صلح الحديبية، أرادت أن تبين لأبيها أن المسلمين صف واحد وأنها الآن تقف بجانب زوجها في قراراته، الإسلام يخبرنا أن يجوز للمسلم أن يعامل والديه ولو كانوا مشركين بالمعروف ولكن الموقف الآن موقف حرج وهو اعتداء على حلفاء الدولة الإسلامية وخرق للعهد.

اقرأ أيضاً: إيران تساعد نظام الأسد بتطوير أسلحة كيميائية

وبعدها يتجهز النبي ويسير لفتح مكة وفي هذه الأثناء يأتي إلى الجيش رجلان من قريش وهما أبو سفيان من الحارث وعبد الله بن أمية: ابن عم النبي وابن عمته ولكن النبي رفض مقابلتهما لشدة إيذائهما للنبي في الفترة المكية، هنا تتدخل أم سلمة زوجة النبي ورفيقته في جيش الفتح وتتوسط للرجلين عند النبي صلى الله عليه وسلم فيقبل النبي وساطتها ويعفوا عنهما، كيف لا يقبل الله وساطتها وهي التي أنقذت المسلمين يوم صلح الحديبية حين أشارت على النبي بأن يتحلل فنجا المسلمين بمشورتها، (هنا نجد المرأة تعطي رأيها وتشفع لمجرمي حرب بكل جرأة بل وتقبل شفاعتها)

ويدخل النبي مكة فاتحا منصورا ويبايعه الرجال مسلمين كما تبايعه النساء ومن بينهن هند بنت عتبة،  تبايعه وهي منتقبة لخوفها من رسول الله فهي صاحبة تاريخ طويل من العداء مع الإسلام والمسلمين والرسول نفسه أيضا فهي المحرضة لقتل حمزة ولكن الرسول كعادته يعفو ويصفح، فهي لم تكتفِ بالمبايعة بل  أخذت تناقش النبي ببنود البيعة وتحاوره بها بكل جرأة وقوة منحها إياها الإسلام ناقشته بها بندا بندا لأنها من هذه اللحظة تبنت موقفا حاسما في ممارسة دورها في الحياة وفق الشريعة الإسلامية

ولعل من أبرز الامتيازات التي حصلت عليها المرأة يوم الفتح (حق اللجوء السياسي) الذي لا يمنح إلا للدول العظمى، فها هي أم هانئ تحصل عليه عندما استجار بها رجلان من بني مخزوم وعندما لحق بهما علي لقتلهما أوصدت الباب في وجهه لتخبره أنها أجارتهما ولكن علي أصر على الدخول لأن المرأة لا تجير بعرف العرب ولأن النبي قد أهدر دم هذين الرجلين ولكنها أصرت على موقفها وطلبت من علي الذهاب معها إلى النبي ليحسم الموقف، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم : “قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ”، نجد هنا أن الرسول الكريم لم ينكر على أم هانئ ممارسة هذا الحق السياسي، وجعل موافقته على ما قامت به حقا مكتسبا للمرأة في الحياة السياسية  بل أقر أيضا بمساواة الرجل والمرأة في دستور جماعة المسلمين في المدينة المنورة، نعم منحت المرأة هذا الحق كما منحت أيضا حق المفاوضة فها هي أم حكيم بنت الحارث تأتي للنبي بعد أن أسلمت لتطلب الأمان لزوجها عكرمة بن أبي جهل هذا المجرم الفار من القتل فيمنحها رسول الله الأمان لزوجها فتذهب لعكرمة لتخبره بهذه البشارة وتعود به إلى مكة ليعلن إسلامه حتى أن عكرمة نفسه لم يصدق بداية أن النبي كلمها بالأمان حيث قال لها مستغربا: أنت فعلت؟! وهذا الاستغراب جاء من رجل مكي عاش في مجتمع كان لا يعد النساء شيئا كما قال عمر، أيقنت هذه الصحابية أن الإسلام الذي اعتنقته منذ لحظات سينصفها ويسمع ما عندها لذلك تكلمت مطالبة بالعفو والصفح مدركة أن مطالبها ستلبى ويكون لها ما تريد.

نعم هذا هو الإسلام المرجعية الأولى والأخيرة للمسلمين والمسلمات للتعامل مع قضايا المرأة مرجعية سليمة وواضحة من اللحظة الأولى وحتى الآن أعطت للمرأة كما للرجل من امتيازات من دون مفاوضات ولا جلسات برلمانية ولا تصويت كما يحصل الآن في الأمم المتحدة والمؤتمرات المعقودة، وهذا ما يحمل لمرأة المسلمة المعاصرة  مسؤولية كبيرة تجاه دينها ووطنها وأسرتها، خاصة في هذا الزمن الذي يموج بتحديات ومشكلات جمة تحاول صرف المرأة عن القيام بدورها الذي رسمه لها دينها الحنيف .

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط